يجوز ؛ كما إذا أطلق البحر والأسد وادعى بذلك أنه أريد به الرجل الجواد والشجاع ، فهذا لا يجيزه عاقل ، ولا يتكلم به إلا من قصده التلبيس والتعمية ، وحيث أراد تلك المعاني فإنه يأتي من القرائن بما يدل على مراده ، فأين معكم في قوله (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) وقوله (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) وقوله «يقبض الله سماواته بيده والأرض باليد الأخرى» : «فأقوم عن يمين ربي» وقوله : «فيوقف بين يدي الرحمن» ما يدل على إرادة المجاز.
الوجه السادس عشر : إن يد القدرة والنعمة لا يعرف استعمالها البتة إلا في حق من له يد حقيقة ؛ فهذه موارد استعمالها من أولها إلى آخرها مطردة في ذلك ، فلا يعرف العربي خلاف ذلك ، فاليد المضافة إلى الحي إما أن تكون يدا حقيقة أو مستلزمة للحقيقة ، وأما أن تضاف إلى من ليس له يد حقيقة ، وهو حي متصف بصفات الأحياء فهذا لا يعرف البتة.
وسر هذا أن الأعمال والأخذ والعطاء والتصرف لما كان باليد وهي التي تباشره عبروا بها عن الغاية الحاصلة بها ، وهذا يستلزم ثبوت أصل اليد حتى يصح استعمالها في مجرد القوة والنعمة الإعطاء ، فإذا انتفت حقيقة اليد امتنع استعمالها فيها فيما يكون باليد فثبوت هذا الاستعمال المجازى من أدل الأشياء على ثبوت الحقيقة ، فقوله تعالى في حق اليهود (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) (التوبة : ٦٧) هو دعاء عليهم بغل اليد المتضمن للجبن والبخل ، وذلك لا ينفي ثبوت أيديهم حقيقة ، وكذلك قوله في المنافقين (وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) كناية عن البخل ولا ينفي أن يكون لهم أيد حقيقة ، كذلك قوله (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) (الإسراء : ٢٩) المراد به النهي عن البخل والتقتير والإسراف ، وذلك مستلزم لحقيقة اليد ، وكذلك قوله تعالى : (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) (البقرة : ٢٣٧) أي يتولى عقدها ، وهو إنما يعقدها بلسانه ولكن لا يقال ذلك إلا لمن له يد حقيقة ، وكذلك قوله : (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) (الأعراف : ١٤٩) هو كناية عن الندم وتيقن التفريط والإضاعة بمنزلة من سقط منه الشيء فحيل بينه وبينه وأتى في هذا بلفظ (وفي) دون (من) لأن الندم سقط في أيديهم وثبت فيها واستقر ولو قيل : سقط من أيديهم لم يدل على هذا المعنى. وعين لفظ اليد لهذا المعنى لوجهين (أحدهما) أنه يقال لمن