لا ينفيها ، والسمع دليل مستقل بنفسه ، بل الطمأنينة إليه في هذا الباب أعظم من الطمأنينة إلى مجرد العقل ، فما الذي يسوغ لك نفي مدلوله؟
(ويقال ثالثا) إن كان ظاهر النصوص يقتضي تشبيها وتجسيما فهو يقتضيه في الجميع ، فأول الجميع ، وإن كان لا يقتضي ذلك لم يجز تأويل شيء منه ، وإن زعمت أن بعضها يقتضيه وبعضها لا يقتضيه طولبت بالفرق بين الأمرين.
ولما تفطن بعضهم لتعذر الفرق قال : ما دل عليه الإجماع كصفات السمع لا يتأول وما لم يدل عليه الإجماع فإنه يتأول. وهذا كما تراه من أفسد الفروق ، فإن مضمونه أن الإجماع أثبت ما يدل عليه رأي التجسيم والتشبيه ، وهذا قدح في الإجماع ، فإنه لا ينعقد على باطل.
(ثم يقال) إن كان الإجماع دل على هذه الصفات وظاهرها يقتضي التشبيه والتجسيم بطل نفيكم لذلك ، وإن لم ينعقد عليه بطل التفريق به.
(ثم يقال) خصومكم من المعتزلة لم تجمع على ثبوت هذه الصفات ، فإن قلتم : انعقد الإجماع قبلهم قيل : صدقتم والله ، والذين أجمعوا قبلهم على إثبات هذه الصفات أجمعوا على إثبات سائر الصفات ولم يخصوها بسبع ، بل تخصيصها بالسبع خلاف قول السلف ، وقول الجهمية والمعتزلة. فالناس كانوا طائفتين : سلفية وجهمية (١) ، فحدثت الطائفة السبعية واشتقت قولا بين قولين فلا للسلف اتبعوا ولا مع الجهمية بقوا.
__________________
(١) الجهمية : هم ، أتباع جهم بن صفوان الّذي قال بالإجبار والاضطرار إلى الأعمال ، وأنكر الاستطاعات كلها ، وزعم أن الجنة والنار تفنيان وتبيدان ، وزعم أيضا أن الإيمان هو المعرفة بالله فقط ، وأن الكفر هو الجهل به فقط ، وقال : لا فعل ولا عمل لأحد غير الله تعالى وإنما تنسب الأعمال إلى المخلوقين على المجاز ... إلى آخر ضلالاته في مسألة الجبر وإنكار الصفات ... إلخ.
وثبت عن أبي حنيفة أنه قال : بالغ جهم في نفى التشبيه حتى قال إن الله ليس بشيء.
أفاده الحافظ في «الفتح» وقال : وليس الذي أنكروه على الجهمية مذهب الجبر خاصة ، وإنما الذي أطبق السلف على ذمهم بسببه إنكار الصفات ، حتى قالوا إن القرآن ليس كلام الله وأنه مخلوق. ا ه (الفتح : ١٣ / ٣٥٧).
وأخرج ابن خزيمة في «التوحيد» ، ومن طريقه البيهقي في «الأسماء والصفات»