في حق الرب تعالى محال فليست أبعاضا ولا جوارح ، فمفارقة الصفات الإلهية للموصوف بها مستحيل مطلقا في نوعين ، والمخلوق يجوز أن تفارقه أبعاضه وأعراضه.
فإن قلتم : إن كان الوجه عين اليد وعين الساق والأصبع فهو محال ، وإن كان غيره يلزم التميز ويلزم التركيب قلنا لكم : وإن كان السمع هو عين البصر وهما نفس العلم وهى نفس الحياة والقدرة فهو محال وإن تميز لزم التركيب. فما هو جوابكم فالجواب مشترك.
فإن قلتم : نحن نعقل صفات ليست أعراضا تقوم بغير جسم وإن لم يكن له في الشاهد نظير. ونحن لا ننكر الفرق بين النوعين في الجملة ، ولكن فرق غير نافع لكم في التفريق بين النوعين وإن أحدهما يستلزم التجسيم والتركيب والآخر لا يستلزمه.
ولما أخذ هذا الإلزام بخناق الجهمية قالوا : الباب كله عندنا واحد ونحن ننفي الجميع.
فتبين أنه لا بد لكم من واحد من أمرين : إما هذا النفي والتعطيل ، وإما أن تصفوا الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله ، وتتبعوا في ذلك سبيل السلف الذين هم أعلم الأمة بهذا الشأن نفيا وإثباتا ، وأشد تعظيما لله وتنزيها له عما لا يليق بجلاله ، فإن المعاني المفهومة من الكتاب والسنة لا ترد بالشبهات فيكون ردها من باب تحريف الكلم عن مواضعه ، ولا يترك تدبرها ومعرفتها فيكون ذلك مشابهة للذين لا يعلمون الكتاب إلا أمانى ، بل هي آيات بينات دالة على أشرف المعاني وأجلها ، قائمة حقائقها في صدور الذين أوتوا العلم والإيمان إثباتا بلا تشبيه وتنزيها بلا تعطيل ؛ كما قامت حقائق سائر صفات الكمال في قلوبهم كذلك. فكان الباب عندهم بابا واحدا ، وعلموا أن الصفات حكمها حكم الذات ، فكما ذاته لا تشبه الذوات ، فكذا صفاته لا تشبه الصفات.
قال الإمام أحمد : التشبيه أن تقول يد كيد أو وجه كوجه ، فأما إثبات يد ليست كالأيدى ووجه ليس كالوجوه فهو إثبات ذات ليست كالذوات وحياة ليست