وادعاء المعارض زورا على قوم أنهم يقولون في تفسير قوله تعالى : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) (سورة الزمر : ٥٦) أنهم يعنون بذلك الجنب الذي هو العضو ، وليس ذلك على ما يتوهمونه. قال الدارمي : فيقال لهذا المعارض : ما أرخص الكذب عندك وأخفه على لسانك فإن كنت صادقا في دعواك فأشر بها إلى أحد من بنى آدم. قال : وإلا فلم تشنع بالكذب على قوم هم أعلم بهذا التفسير منك ، إنما تفسيرها عندهم : تحسر الكفار على ما فرطوا في الإيمان والفضائل التي تدعو إلى ذات الله واختاروا عليها الكفر والسخرية. فمن أنبأك أنهم قالوا : جنب من الجنوب؟ فإنه لا يجهل هذا المعنى كثير من عوام المسلمين فضلا عن علمائهم. وقد قال أبو بكر الصديق رضى الله عنه : «الكذب مجانب للإيمان» (١) وقال ابن مسعود رضي الله عنه «لا يجوز الكذب جدا ولا هزلا» وقال الشعبي «من كان كذابا فهو منافق» (٢). والتفريط فعل أو ترك فعل ، وهذا لا يكون قائما بذات الله لا بجنب ولا غيره ، بل لا يكون منفصلا عن الله تعالى ، وهو معلوم بالحس والمشاهدة.
__________________
مقالته ، مات سنة (٢١٨ ه) ، وذكر ابن الجوزي في «التلبيس» عن بشر بن الحارث أنه قال : جاء موت هذا الذي يقال له : المريسى وأنا في السوق فلو لا أن الموضع ليس موضع سجود لسجدت شكرا ، الحمد لله الّذي أماته ؛ هكذا قولوا. ا ه.
وانظر في ترجمته وأحواله (الفرق بين الفرق : فقرة / ١١٢ ، وميزان الاعتدال للذهبي ١٢١٤ وابن خلكان رقم / ١١٢ ، وتاريخ بغداد للخطيب / ٧ : ٥٦)
(١) رواه البيهقي في «الشعب» (٤ / ٤٨٠٤ ـ ٤٨٠٧) مرفوعا وقال : هذا إسناد ضعيف والصحيح أنه موقوف. أه.
(٢) وورد في «صحيح البخاري» من حديث أبي هريرة يرفعه : «آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ...» الحديث في كتاب الإيمان برقم (٣٣) ، وحديث عبد الله بن عمرو ، يرفعه : أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا ائتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر ، رواه البخاري (٣٤).