عندهم على نفي ما عدا المذكور ، لأنه متى كان للتخصيص بالذكر سبب غير الاختصاص بالحكم لم يكن المفهوم مرادا بالاتفاق ، وليس المراد بالآيتين إثبات الصفة حتى يكون تخصيص أحد الأمرين بالذكر مرادا ، بل المقصود حكم آخر وهو إثبات تفريط العبد في حق الله تعالى ، وبيان سجود الخلائق إذا كشف عن ساق. وهذا حكم قد يختص بالمذكور دون غيره فلا يكون له مفهوم.
(الرابع) هب أنه سبحانه أخبر أنه يكشف عن ساق واحدة هى صفة ، فمن أين في ظاهر القرآن أنه ليس له سبحانه إلا تلك الصفة الواحدة ، وأنت لو سمعت قائلا يقول : كشفت عنى عيني وأبديت عن ركبتي وعن ساقي ، هل يفهم منه أنه ليس له إلا ذلك الواحد فقط ، فلو قال لك أحد لم يكن هذا ظاهر كلامه فكيف يكون ظاهر أفصح الكلام وأبينه ذلك.
(الخامس) إن المفرد المضاف يراد به أكثر من واحد ، كقوله تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) [سورة إبراهيم : ٣٤] وقوله : (وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ) (سورة التحريم : ١٢) وقوله (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) (سورة البقرة : ١) فلو كان الجنب والساق صفة لكان بمنزلة قوله : (بِيَدِهِ الْمُلْكُ) (سورة الملك : ١) و (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) (آل عمران : ٢٦) و (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) (سورة طه : ٣٩).
(السادس) أن يقال : من أين في ظاهر القرآن إثبات جنب واحد هو صفة لله؟ ومن المعلوم أن هذا لا يثبته أحد من بنى آدم ، وأعظم الناس إثباتا للصفات هم أهل السنة والحديث ، لا يثبتون أن الله تعالى جنبا واحدا ، ولا ساقا واحدا.
قال عثمان بن سعيد الدارمي في نقضه على المريسي (١) :
__________________
(١) المريسى : هو بشر بن غياث المريسى ، مبتدع ضال ، تفقه أول أمره على قاضى القضاة أبي يوسف صاحب أبي حنيفة ، غير أنه لما أظهر قوله بخلق القرآن هجره أبو يوسف ، وأتقن علم الكلام ، ولم يدرك جهم بن صفوان ، ولكنه أخذ مقالته واحتج بها ، ودعا إليها ، وزعم أن السجود للصنم ليس بكفر ولكنه دلالة على الكفر ، وحدث البويطي قال : سمعت الشافعي يقول : ناظرت المريسي في القرعة فذكرت له فيها حديث عمران بن حصين ، فقال : هذا قمار ، فأتيت أبا البختري القاضي وحكيت له ذلك ، فقال : يا أبا عبد الله ، شاهد آخر وأصلبه ، وأخذ في أيام دولة الرشيد رحمهالله ، وأوذى لأجل