ونظير ذلك قول الجهمية : لو قامت به الصفات لقامت به الأعراض ، قيام الأعراض به يستلزم كونه جسما ، فقالت الصفاتية (١) : قد دلل الدليل على قيام الصفات به ، فلا يجوز نفيها عنه بتسميتها أعراضا ، فإن أردتم بالأعراض الصفات فإثبات الصفات حق ، وإن أردتم به ما هو من خصائص المخلوق فلا يلزم ذلك من إثباتها للرب تعالى.
وكذلك قولهم : لو كان فوق سماواته على عرشه يصعد إليه الكلم الطيب لكان جسما وجوابهم بأنه قد ثبت بالعقل والنقل والفطرة أنه سبحانه فوق سماواته عال على خلقه ، فلا يجوز نفيه بتسميته تجسميا ، فإن كان التجسيم اللازم من ذلك كونه فوق سماواته على عرشه بائنا من خلقه ، فهذا اللازم حق فسموها ما شئتم ، وإن كان المدعى لزوم تركيبه من الجواهر الفردة والمادة والصورة ، أو كونه مماثلا للأجسام المخلوقة فدعوى هذه الملازمة كذب فلا يجوز أن ينفى عن الله ما دل عليه العقل والنقل والفطرة بألفاظ مجملة تنقسم معانيها إلى حق وباطل.
وأما قول من قال يأتي أمره وينزل رحمته ، فإن أراد أنه سبحانه إذا نزل وأتى حلت رحمته وأمره فهذا حق ، وإن أراد أن النزول والمجيء والإتيان للرحمة والأمر ليس إلا ، فهو باطل من وجوه عديدة قد تقدمت ؛ ونزيدها وجوها أخر ، منها أن يقال : أتريدون رحمته وأمره صفته القائمة بذاته؟ أم مخلوقا منفصلا سميتموه رحمة وأمرا؟ فإن أردتم الأول فنزوله يستلزم نزول الذات ومجيئها قطعا ، وإن أردتم الثاني كان الذي يأتي وينزل ويأتي لفصل القضاء مخلوقا محدثا لا رب العالمين ، وهذا معلوم البطلان قطعا وهو تكذيب صريح للخبر ، فإنه يصح معه أن يقال : لا ينزل إلى سماء الدنيا ، ولا يأتي لفصل القضاء ، وإنما الذي ينزل ويأتي غيره.
ومنها : كيف يصح أن يقول ذلك المخلوق : لا أسأل عن عبادي غيري ،
__________________
(١) الصفاتية : هم الذين قالوا : لا يوصف الله بشيء يتعلق بمشيئته وقدرته أصلا ، بل جميع هذه الأمور صفات لازمة لذاته ، قديمة أزلية ، فلا يرضى في وقت دون وقت ، ولا يغضب في وقت دون وقت. (الملل والنحل للشهرستاني : ١ / ٩٧).