الله ينادي بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب» (١). وليس هذا لغير الله عزوجل. قال : وفي هذا دليل أن صوت الله لا يشبه أصوات الخلق ، لأن صوت الله يسمع من بعد كما يسمع من قرب ، وأن الملائكة يصعقون من صوته. ثم ساق حديث جابر أنه سمع عبد الله بن أنيس يقول : سمعت النبي صلىاللهعليهوسلم : يقول «يحشر العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما سمعه من قرب : أنا الملك أنا الديان» الحديث (٢).
__________________
(١) المصدر السابق.
(٢) ذكره البخاري في «صحيحه» تعليقا كتاب «التوحيد» باب (٣٢) ، وقال الحافظ في «الفتح» : حمله بعض الأئمة على مجاز الحذف أي يأمر من ينادي ، واستبعده بعض من أثبت الصوت بأن في قوله : «يسمعه من بعد» إشارة إلي أنه ليس من المخلوقات لأنه لم يعهد مثل هذا فيهم ، وبأن الملائكة إذا سمعوه صعقوا ، وإذا سمعوا بعضهم بعضا لم يصعقوا ، قال : فعلى هذا فصفاته (كذا بالأصل ولعلها تصحيف : فصوته) صفة من صفات ذاته لا تشبه صوت غيره إذ ليس يوجد شيء من صفاته من صفات المخلوقين ، هكذا قرره المصنف ـ يعني البخاري ـ في كتاب «خلق أفعال العباد» ، ... ثم قال الحافظ :
والحكمة في كونه خارقا لعادة الأصوات المخلوقة المعتادة التي يظهر التفاوت في سماعها بين البعيد والقريب هي أن يعلم أن المسموع كلام الله ، كما أن موسى لما كلمه الله كان يسمعه من جميع الجهات ... ثم نقل كلام البيهقي وغيره في تأويل هذه الصفة ونفي الصوت عن الكلام. ثم قال :
وهذا حاصل كلام من ينفي الصوت من الأئمة ويلزم منه أن الله لم يسمع أحدا من ملائكته ورسله كلامه بل ألهمهم إياه ، وحاصل الاحتجاج للنفي الرجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين لأنها التي عهد أنها ذات مخارج ، ولا يخفي ما فيه إذ الصوت قد يكون غير مخارج ، كما أن الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة كما سبق سلمنا ، لكن تمنع القياس المذكور ، وصفات الخالق لا تقاس على صفة المخلوق ، وإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة وجب الإيمان به ا ه بتصرف من (فتح الباري : ١٣ / ٤٦٥ ـ ٤٦٦).