قوله : (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل) كصوت المنشد لذلك حكاية عنه وحرفه ، فإذا قال قائل : هذا كلامك أو كلام امرئ القيس؟ كان السؤال مجملا تحتمل الإشارة فيه معنين (أحدهما) أن يراد الإشارة إلي صوت المؤدي وحروفه (الثاني) أن يراد الإشارة إلى الكلام المؤدى بصوت هذا وحروفه ، والغالب إرادته هو الثاني ، ولهذا يحمد القائل له أولا أو يذم ، وإنما يحمد الثاني أو يذم على كيفية الأداء وحسن الصوت وقبحه.
والكلام يضاف إلى من قاله مبتديا لا إلى من قاله مبلغا مؤديا ، فإذا قال الواحد منا : الأعمال بالنيات ، مؤديا له عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يقل أحد إن هذا قولك وكلامك.
وإن قيل إنك حسن الأداء له ، حسن التلفظ به ، وهذا الذي قام به وهو حسنه وفعله وعليه يقع اسم الخلق : ولشدة ارتباطه بأصل الكلام عسر التمييز.
ومن هنا غلطت الطائفتان (إحداهما) جعلت الكل مخلوقا منفصلا (والثانية) جعلت الكل قديما ، وهو عين صفة الرب نظرا إلى من تكلم به أولا.
والحق ما عليه أئمة الإسلام كالإمام أحمد والبخاري وأهل الحديث : أن الصوت صوت القارئ والكلام كلام الباري.
وقد اختلف الناس أهل التلاوة غير المتلو أم هي المتلو؟ على قولين ، والذين قالوا التلاوة هي المتلو ، فليست حركات الإنسان عندهم هي التلاوة ، وإنما أظهرت التلاوة وكانت سببا لظهورها ، وإلا فالتلاوة عندهم هي نفس الحروف والأصوات وهي قديمة.
والذين قالوا التلاوة غير المتلو طائفتان (إحداهما) قالت التلاوة هي هذه الحروف والأصوات المسموعة ، وهي مخلوقة ، والمتلو هي المعنى القائم بالنفس وهو قديم ، وهذا قول الأشعري.
والطائفة (الثانية) قالوا : التلاوة هي قراءتنا وتلفظنا بالقرآن. والمتلو هو القرآن العزيز والمسموع بالآذان بالأداء من في رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهي (المص ، وكهيعص ، وحم ، الم) حروف وكلمات وسور وآيات تلاه عليه جبرائيل