البيضاء ليلها كنهارها ، فلا يحتاج مع كشفه وبيانه إلى تنطع المتنطعين فالحمد لله الذي أغنانا بوحيه ورسوله عن تكلفات المتكلفين.
قال أبو عبد الرحمن السلمي أحد أكابر التابعين الذين أخذوا القرآن ومعانيه عن مثل عبد الله بن مسعود وعثمان بن عفان وتلك الطبقة ، حدثنا الذين كانوا يقرءوننا القرآن من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلىاللهعليهوسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل ، فتعلمنا القرآن والعلم والعمل فالصحابة أخذوا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ألفاظ القرآن ومعانيه ، بل كانت عنايتهم بأخذ المعاني من عنايتهم بالألفاظ ، يأخذون المعاني أولا ، ثم يأخذون الألفاظ ليضبطوا بها المعاني حتى لا تشذ عنهم.
قال حبيب بن عبد الله البجلي وعبد الله بن عمر : تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانا.
فإذا كان الصحابة تلقوا عن نبيهم معاني القرآن كما تلقوا عنه ألفاظه لم يحتاجوا بعد ذلك إلى لغة أحد ، فنقل معاني القرآن عنهم كنقل ألفاظه سواء ، ولا يقدح في ذلك تنازع بعضهم في بعض معانيه كما وقع من تنازعهم في بعض حروفه وتنازعهم في بعض السنة لخفاء ذلك على بعضهم ، فإنه ليس كل فرد منهم تلقى من نفس الرسول صلىاللهعليهوسلم بلا واسطة جميع القرآن والسنة ، بل كان بعضهم يأخذ عن بعض ويشهد بعضهم في غيبة بعض ، وينسى هذا بعض ما حفظه صاحبه ، قال البراء بن عازب : ليس كل ما نحدثكم سمعناه من رسول الله ، ولكن كان لا يكذب بعضنا بعضا.
الوجه الثاني : أن الله سبحانه أنزل على نبيه الحكمة كما أنزل عليه القرآن وامتن بذلك علي المؤمنين ، والحكمة هي السنة كما قال غير واحد من السلف ، وهو كما قالوا فإن الله تعالى قال : (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ) (الأحزاب : ٣٤) فنوّع المتلو إلى نوعين آيات وهي القرآن ، وحكمة