قال تعالى في أصحاب الطريقين : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (البقرة : ٧٥) ثم قال في أهل الطريق الثاني : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (البقرة : ٧٨) ثم قال في المصنفين ما لا يعلم أن الرسول قاله وجاء به يعلم أن الرسول جاء بخلافه : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ) (البقرة : ٧٩) الآية.
فهذه الطريق المذمومة التي سلكها علماء اليهود ، وقد سلكها أشباههم من هذه الأمة تحقيقا لقول الصادق المصدوق : «لتأخذن أمتي مأخذ الأمم قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع» (١) وفي لفظ آخر : «لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة» (٢) وكثير من هؤلاء الأشباه يحرفون كلام الله ويكتمونه ، لئلا يحتج به عليهم في خلاف أهوائهم ، فتارة يغل كتب الآثار التي فيها كلام رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكلام أصحابه والتابعين وأئمة السنة ويمنع من إظهارها ، وربما أعدمها ، وربما عاقب من كتبها أو وجدها عنده كما شاهدناه منهم عيانا ، وكثير من هؤلاء يمنع من تبليغ الأحاديث النبوية وتفسير القرآن بالآثار والأخبار ، وحتى إذا جاءت تفاسير الجهمية والمعتزلة ونحوهم بالغ في مدحها وقال : إن التحقيق فيها ، ما لم يمكنهم منعه من الكتاب والسنة وكتمانه سطوا عليه بالتحريف وتأولوه على غير تأويله ، ثم يعتمدون على آثار موضوعة مكذوبة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه موافقة لأهوائهم وبدعهم ، فيقولون هذا من عند الله ، ويحتجون به ويضعون قواعد ابتدعوها وآراء اخترعوها ، ويسمونها أصل الدين وهي أضر شيء على الدين.
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) [صحيح] رواه الإمام أحمد (٥ / ٢١٨ ، ٣٤٠) والحميدي (٨٤٨) ، وابن أبي عاصم في «السنة» (١ / ٣٧) ، والحاكم (١ / ١٢٩ ، ٤ / ٤٥٥) ، وصححه ووافقه الذهبي ، وقال الألباني : رجاله رجال الصحيح غير موسى بن ميسرة الديلمي وهو ثقة على أنه متابع وانظر «الصحيحة» (١٣٤٨).