فهذا تصديق للمخبر بالفعل ، وقد كان صلىاللهعليهوسلم يقطع بصدق أصحابه كما قطع بصدق تميم الداري لما أخبره بقصة الدجال. وروى ذلك عنه علي المنبر ، ولم يقل أخبرني جبرائيل عن الله ، بل قال : «حدثني تميم الداري» (١) ومن له أدنى معرفة بالسنة يرى هذا كثيرا فيما يجزم بصدق أصحابه ، ويرتب على أخبارهم مقتضاها من المحاربة والمسالمة والقتل والقتال.
ونحن نشهد بالله ولله شهادة على البت والقطع ، لا نمتري فيها ولا نشك على صدقهم ونجزم به جزما ضروريا لا يمكننا دفعه عن نفوسنا ، ومن هذا أنه كان يجزم بصدقهم فيما يخبرونه به من رؤيا المنام ، ويجزم لهم بتأويلها ويقول إنها رؤيا حق ، وأثنى الله تعالى عليه بذلك في قوله (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) (التوبة : ٦١) وأثنى عليه ومدحه بتصديقه لمن أخبره من المؤمنين.
ومن هذا إخبار الصحابة بعضهم بعضا فإنهم كانوا يجزمون بما يحدث به أحدهم عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يقل أحد منهم لمن حدثه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خبرك خبر واحد لا يفيد العلم حتى يتوافر ، وتوقف من توقف منهم حتى عضده آخر منهم لا يدل على رد خبر الواحد عن كونه خبر واحد ، وإنما كان يستثبت أحيانا نادرة إذا استخبر.
ولم يكن أحد من الصحابة ولا أهل الإسلام بعدهم يشكون فيما يخبر به أبو بكر الصديق عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا عمر عثمان ولا علي ولا عبد الله بن مسعود وأبي كعب وأبو ذر ومعاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وعبد الله بن عمر وأمثالهم من الصحابة ، بل كانوا لا يشكون في خبر أبي هريرة مع تفرده بكثير من الحديث ، ولم يقل له أحد منهم يوما واحدا من الدهر : خبرك خبر واحد لا يفيد العلم ، وكان حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم أجلّ في صدورهم من أن يقابل بذلك ، وكان المخبر لهم أجلّ في أعينهم وأصدق عندهم من أن يقول له مثل ذلك.
__________________
(١) رواه مسلم (٢٩٤٢) مطولا في قصة الدجال والجساسة.