وإنما نازع في ذلك طائفة كابن الباقلاني ومن تبعه مثل أبي المعالي والغزالي وابن عقيل وقد ذكر أبو عمرو بن الصلاح القول الأول وصححه واختاره ، ولكنه لم يعلم كثرة القائلين به ليتقوى بهم ، وإنما قاله بموجب الحجة الصحيحة ، وظن من اعترض عليه من المشايخ الذين لهم علم ودين وليس لهم بهذا الباب خبرة تامة أن هذا الذي قاله الشيخ أبو عمرو انفرد به عن الجمهور ، وعذرهم أنهم يرجعون في هذه المسائل إلى ما يجدونه من كلام ابن الحاجب ، وإن ارتفعوا درجة صعدوا إلى سيف الآمدي وإلى ابن الخطيب ، فإن علا سندهم صعدوا إلى الغزالي والجويني والباقلاني.
قال : وجميع أهل الحديث على ما ذكره الشيخ أبو عمرو ، والحجة على قول الجمهور ، أن تلقي الأمة للخبر تصديقا وعملا إجماع منهم ، والأمة لا تجتمع على ضلالة كما لو اجتمعت على موجب عموم أو مطلق أو اسم حقيقة أو على موجب قياس فإنها لا تجتمع على خطأ ، وإن كان الواحد منهم لو جرد النظر إليه لم يؤمن من عليه الخطأ فإن العصمة تثبت بالنسبة الإجماعية ، كما أن خبر التواتر بجوز الخطأ والكذب على واحد من المخبرين بمفرده ، ولا يجوز على المجموع ، والأمة معصومة من الخطأ في روايتها ورأيها ورؤياها كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم «أرى رؤياكم قد تواطأت علي أنها في العشر الأواخر ، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر» (١) فجعل تواطؤ الرؤيا دليلا على صحتها والآحاد في هذا الباب قد تكون ظنونا بشروطها ، فإذا قويت صارت علوما ، وإذا ضعفت صارت أوهاما وخيالات فاسدة.
قال أيضا : فلا يجوز أن يكون في نفس الأمر كذبا على الله ورسوله وليس في الأمة من ينكره إذ هو خلاف ما وصفهم الله تعالى به.
(فإن قيل) أما الجزم بصدقه فلا يمكن منه ، وأما العمل به وهو الواجب عليه وإن لم يكن صحيحا في الباطن ، وهذا سؤال ابن الباقلاني.
__________________
(١) رواه البخاري (٢٠١٥) ، ومسلم (١١٦٥).