أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخبر أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة ، وعند الجهمية رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يقل ذلك ، ويعلمون بالضرورة أن نبيهم صلىاللهعليهوسلم أخبر عن خروج قوم من النار بالشفاعة ، وعند المعتزلة والخوارج لم يقل ذلك ، وبالجملة فهم جازمون بأكثر الأحاديث الصحيحة قاطعون بصحتها عنه ، وغيرهم لا علم عنده بذلك. والمقصود أن هذا القسم من الأخبار يوجب العلم عند الجمهور العقلاء.
وأما خبر الواحد الذي أوجبت الشريعة تصديق مثله والعمل به بأن يكون خبر عدل معروف بالصدق والضبط والحفظ ، فهذا في إفادته للعلم قولان ، هما روايتان منصوصتان عن أحمد (أحدهما) إنه يفيد العلم أيضا وهو أحد الروايتين عن مالك ، اختاره جماعة من أصحابه منهم محمد بن خوازمنداد ، واختاره جماعة من أصحاب أحمد منهم ابن أبي موسى وغيره ، واختاره الحارث المحاسبي وهو قول جمهور أهل الظاهر وجمهور أهل الحديث ، وعلى هذا فيحلف على مضمونه ويشهد به.
(والقول الثاني) إنه لا يوجب العلم وهو قول جمهور أهل الكلام وأكثر المتأخرين من الفقهاء وجماعة من أهل الحديث ، وعلى هذا فلا يحلف على مضمونه ولا يشهد به ، وقد حلف الإمام على كثير من مضمون كثير من الأخبار الآحاد حلف على البت ، وأهل الحديث لا يجعلون حصول العلم بمخبر هذه الأخبار الثابتة من جهة العادة المطردة في حق سائر المخبرين ، بل يقولون ذلك الأمر يرجع إلى المخبر وأمر يرجع إلى المخبر عنه وأمر يرجع إلى المخبر به ، وأمر يرجع إلى المخبر المبلغ.
فأما ما يرجع إلى المخبر فإن الصحابة الذين بلغوا الأمة سنة نبيهم كانوا أصدق الخلق لهجة ، وأعظمهم أمانة وأحفظهم لما يسمعونه ، وخصهم الله تعالى من ذلك بما لم يخص به غيرهم ؛ فكانت طبيعتهم قبل الإسلام الصدق والأمانة ؛ ثم ازدادوا بالإسلام قوة في الصدق والأمانة ؛ وكان صدقهم عند الأمة وعدالتهم وضبطهم وحفظهم عن نبيهم أمرا معلوما لهم بالاضطرار ، كما يعلمون إسلامهم