ابن كعب شرابا من فضيخ ، فجاءهم آت فقال : إن الخمر قد حرمت ، فقال أبو طلحة : قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرها ، فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفلها حتى كسرتها (١) ، ووجه الاستدلال أن أبا طلحة أقدم على قبول خبر التحريم حيث ثبت به التحريم لما كان حلالا ، وهو يمكنه أن يسمع من رسول الله صلىاللهعليهوسلم شفاها ، وأكد ذلك القبول بإتلاف الإناء وما فيه ، وهو مال ، وما كان ليقدم على إتلاف المال بخبر من لا يفيده خبره العلم عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى جنبه ، فقام خبر ذلك الآتي عنده وعند من معه مقام السماع من رسول الله صلىاللهعليهوسلم بحيث لم يشكوا ولم يرتابوا في صدقه ، والمتكلفون يقولون إن مثل ذلك الخبر لا يفيد العلم لا بقرينة ولا بغير قرينة.
الدليل التاسع عشر : إن خبر الواحد لو لم يفد العلم لم يثبت به الصحابة التحليل والتحريم والإباحة والفروض ، ويجعل ذلك دينا يدان به في الأرض إلى آخر الدهر. فهذا الصديق رضي الله عنه زاد في الفروض التي في القرآن فرض الجدة وجعله شريعة مستمرة إلى يوم القيامة بخبر محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة فقط ، وجعل حكم ذلك الخبر في إثبات هذا الفرض حكم نص القرآن في إثبات فرض الأم ، ثم اتفق الصحابة والمسلمون بعدهم على إثباته بخبر الواحد. وأثبت عمر بن الخطاب بخبر حمل ابن مالك دية الجنين وجعلها فرضا لازما للأمة ، وأثبت ميراث المرأة من دية زوجها بخبر الضحاك بن سفيان الكلابي وحده ، وصار ذلك شرعا مستمرا إلى يوم القيامة. وأثبت شريعة عامة في حق المجوس بخبر عبد الرحمن بن عوف وحده ، وأثبت عثمان بن عفان شريعة عامة في سكنى المتوفى عنها بخبر فريعة بنت مالك وحدها ، وهذا أكثر من أن يذكر ، بل هو إجماع معلوم منهم ، ولا يقال على هذا إنما يدل على العمل بخبر الواحد في الظنيات ونحن لا ننكر ذلك لأنا قد قدمنا أنهم أجمعوا على قبوله والعلم
__________________
(١) رواه البخاري (٥٥٨٢) ، ومسلم (١٩٨٠) والفضيخ : هو البسر إذا شدخ ونبذ ، وقد يطلق على خليط البسر والرطب أو التمر.