ويصرح في الفوقية بلفظها الخاص ، وبلفظ العلو والاستواء ، وأنه (في السماء) وأنه (ذو المعارج) وأنه (رفيع الدرجات) وأنه (تعرج إليه الملائكة) وتنزل من عنده ، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا (١) ، وأن المؤمنين يرونه بأبصارهم عيانا من فوقهم (٢) ، إلى أضعاف ذلك مما لو جمعت النصوص والآثار فيه لم تنقص عن نصوص الأحكام وآثارها. ومن أبين المحال وأوضح الضلال حمل ذلك كله على خلاف حقيقته وظاهره ، ودعوى المجاز فيه والاستعارة ، وأن الحق في أقوال النفاة المعطلين ، وأن تأويلاتهم هي المرادة من هذه النصوص ، إذ يلزم من ذلك محاذير ثلاثة لا بد منها ، وهى القدح في علم المتكلم بها ، أو في بيانه ، أو في نصحه.
وتقرير ذلك أن يقال : إما أن يكون المتكلم بهذه النصوص عالما أن الحق في تأويلات النفاة المعطلين ، أو لا يعلم ذلك؟ فإن لم يعلم ذلك كان ذلك قدحا في علمه. وإن كان عالما أن الحق فيها ؛ فلا يخلوا إما أن يكون قادرا على التعبير بعبارتهم التي هي تنزيه لله بزعمهم عن التشبيه والتمثيل والتجسيم ، وأنه لا يعرف الله من لم ينزه الله بها ، أو لا يكون قادرا على تلك العبارة؟ فإن لم يكن قادرا على التعبير بذلك لزم القدح في فصاحته. وكان ورثة الصابئة وأفراخ الفلاسفة ، وأوقاح المعتزلة والجهمية ، وتلامذة الملاحدة أفصح منه وأحسن بيانا وتعبيرا عن الحق وهذا مما يعلم بطلانه بالضرورة أولياؤه وأعداؤه وموافقوه ومخالفوه. فإن مخالفيه لم يشكوا أنه أفصح الخلق ، وأقدرهم على حسن التعبير بما يطابق المعنى ، ويخلصه من اللبس والإشكال ؛ وإن كان قادرا على ذلك ولم يتكلم به وتكلم دائما بخلافه ، كان ذلك قدحا في نصحه ، وقد وصف الله رسله بأنهم أنصح الخلق لأممهم ، فمع النصح والبيان والمعرفة التامة
__________________
(١) حديث النزول حديث متواتر له روايات كثيرة منها ما أخرجه البخاري (١١٤٥) ومسلم (٧٥٨) وغيرهما من حديث أبى هريرة وورد من رواية على بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وجابر ، وأبي سعيد وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين ، وانظر هذه الروايات مفصلة في كتاب «اجتماع الجيوش» للمصنف.
(٢) تقدم حديث الرؤية في الفصل الأول.