وما الّذي نقموا من أبي الحسن؟ نقموا والله! منه نكير سيفه ، وقلّة مبالاته لحتفه ، وشدّة وطأته ، ونكال وقعته ، وتنمّره في ذات الله.
وتالله لو مالوا عن المحجّة اللاّئحة ، وزالوا عن قبول الحجّة الواضحة ، لردّهم إليها ، وحملهم عليها ، ولسار بهم سيرا سجحا (١) ، لا يكلم خشاشه (٢) ، ولا يكلّ سائره ، ولا يملّ راكبه ، ولأوردهم منهلا نميرا صافيا رويّا ، تطفح ضفّتاه (٣) ، ولا يترنّق جانباه ، ولأصدرهم بطانا (٤) ، ونصح لهم سرّا وإعلانا.
ألا هلمّ فاسمع ، وما عشت أراك الدّهر عجبا!
أما لعمري ، لقد لقحت ، فنظرة ريثما تنتج ، ثمّ احتلبوا ملء القعب دما عبيطا ، وذعافا (٥) مبيدا ، هنالك يخسر المبطلون ، ويعرف التّالون غبّ ما أسّس الأوّلون. ثمّ طيبوا عن دنياكم أنفسا ، واطمئنّوا للفتنة جأشا ، وأبشروا بسيف صارم ، وسطوة معتد غاشم ، وبهرج شامل ، واستبداد من الظّالمين ، يدع فيئكم زهيدا ، وجمعكم حصيدا.
فيا حسرة لكم ، وأنّى بكم ، وقد عمّيت ( عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ ) (٦).
استبدلوا والله! الذّنابي بالقوادم ، والعجز بالكاهل (٧) ، فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا. ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ، ويحهم
__________________
(١) أي سهلا.
(٢) الخشاش : عود يجعل في أنف البعير يشدّ به الزمام.
(٣) تطفح ضفّتاه : أى يمتلئ ويفيض منه الماء.
(٤) أصدرهم بطانا : أي أشبعهم وأفاض عليهم بالخير.
(٥) الذعاف : الطعام الذي يجعل فيه السم.
(٦) هود : ٢٨.
(٧) الكاهل : سند القوم ومعتمدهم.