الحكمة ، ولو فعل ذلك لكان أحمد في العقبى ، وأبعد عن مظانّ الندم ، وأنأى عن مواقف اللوم ، وأجمع لشمل الامّة ، وأصلح له بالخصوص ..
وقد كان في وسعه أن يربأ بوديعة رسول الله ووحيدته عن الخيبة ويحفظها عن أن تنقلب عنه ، وهي تتعثّر بأذيالها ، وما ذا عليه إذا احتلّ محلّ أبيها لو سلّمها فدكا من غير محاكمة ، فإنّ للإمام أن يفعل ذلك بولايته العامّة ، وما قيمة فدك في سبيل هذه المصلحة ، ودفع هذه المفسدة (١).
لقد كان أبو بكر باستطاعته وصلاحيّته أن يقرّ يد بضعة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ووديعته على فدك ويصنع معها الجميل والمعروف ، ولا يقابلها بمثل تلك القسوة ، ولكنّ الأمر كما حكاه علي بن الفاروق أحد أعلام الفكر العلمي في بغداد ، وأحد أساتذة المدرسة الغربية ، وأستاذ العلاّمة ابن أبي الحديد ، فقد سأله ابن أبي الحديد :
أكانت فاطمة صادقة في دعواها النحلة؟
نعم ...
فلم لم يدفع لها أبو بكر فدكا ، وهي عنده صادقة ، يقول ابن أبي الحديد :
فتبسّم ، ثمّ قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وقلّة دعابته قال :
لو أعطاها اليوم فدكا بمجرّد دعواها لجاءت إليه غدا وادّعت لزوجها الخلافة ، وزحزحته عن مقامه ، ولم يكن يمكن حينئذ الاعتذار بشيء ؛ لأنّه يكون قد سجّل على نفسه بأنّها صادقة فيما تدّعي كائنا ما كان من غير حاجة إلى بيّنة وشهود ... (٢).
نعم ، لهذه الجهة ولغيرها من الأحقاد والضغائن أجمع القوم على هضمها
__________________
(١) النصّ والاجتهاد : ٣٧.
(٢) حياة الإمام الحسن بن عليّ عليهماالسلام ١ : ١٧٧.