ولمّا رأت سيّدة نساء العالمين وهن الأنصار وتخاذلهم وعدم استجابتهم لنداء الحقّ ، وجّهت إليهم أعنف اللوم وأشدّ العتب قائلة :
« ألا وقد قلت ما قلت هذا على معرفة منّي بالخذلة التي خامرتكم والغدرة التي استشعرتها قلوبكم ، ولكنّها فيضة النّفس ، ونفثة الغيظ ، وحوز القناة ، وبثّة الصّدر ، وتقدمة الحجّة ، فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظّهر ، نقبة الخفّ ، باقية العار ، موسومة بغضب الله ، وشنار الأبد ، موصومة بنار الله الموقدة ( الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ. إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ ) ، فبعين الله ما تفعلون ، وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون ، وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فاعملوا إنّا عاملون ، وانتظروا إنّا منتظرون » (١).
وانتهى هذا الخطاب الثوري الذي حوى جميع مقوّمات الثورة على النظام القائم ، ولا أكاد أعرف خطابا أبلغ ولا آثر منه إلاّ إنّ القوم قد تخدّرت أعصابهم فصدوا عن الطريق القويم. وعلى أي حال فقد لمس أبو بكر مدى تأثير خطاب الزهراء عليهالسلام في نفوس الحاضرين وخاف من اندلاع الثورة فاستطاع بلباقته وقابليّاته الدبلوماسية أن يسيطر على الموقف ، وينقذ حكومته من الانقلاب فقابل بضعة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بكلّ حفاوة وتكريم ، وأظهر لها أمام الملأ أنّه يخلص لها ، ويكنّ لها التقدير والاحترام أكثر ممّا يكنّه لعائشة ابنته كما أظهر لها حزنه العميق على وفاة أبيها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وعرض لها أنّه لم يتقلّد منصب الحكم ، ولم يتّخذ معها الاجراءات الصارمة عن رأيه الخاص ، وإنّما كان عن رأي المسلمين فهم الذين قلّدوه ما تقلّد وباتّفاق منهم أخذ ما أخذ ، وبذلك فقد شارك المسلمين في إجراءاته وحمّلهم المسئولية ،
__________________
(١) أعلام النساء ٣ : ٢٠٨. بلاغات النساء : ١٢ ـ ١٩.