وأكدت الآمال ، وخشعت الجبال ، واضيع الحريم ، وازيلت الحرمة عند مماته ، فتلك والله! النّازلة الكبرى ، والمصيبة العظمى ، لا مثلها نازلة ، ولا بائقة عاجلة ، أعلن بها كتاب الله جلّ ثناؤه في أفنيتكم ، وفي ممساكم ومصبحكم ، يهتف في أفنيتكم هتافا وصراخا وتلاوة وألحانا ، ولقبله ما حلّ بأنبياء الله ورسله حكم فصل ، وقضاء حتم ، ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ، وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ).
وأخذت زهراء الرسول تحفّز الأنصار على الثورة ، وتذكّرهم ماضيهم المشرق في نصرة الإسلام وحماية مبادئه ، وتطلب منهم القيام بقلب الحكم القائم ، وإرجاع الخلافة إلى الإمام عليهالسلام ، وإرجاع حقوقها لها قائلة :
« أيها بني قيلة (١) ، أأهضم تراث أبي وأنتم بمرأى منّي ومسمع ومنتدى ومجمع ، تلبسكم الدّعوة ، وتشملكم الخبرة ، وأنتم ذوو العدد والعدّة والأداة والقوّة ، وعندكم السّلاح والجنّة (٢) ، توافيكم الدّعوة فلا تجيبون ، وتأتيكم الصّرخة فلا تغيثون ، وأنتم موصوفون بالكفاح ، معروفون بالخير والصّلاح ، والنّخبة التي انتخبت ، والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت. قاتلتم العرب ، وتحمّلتم الكدّ والتّعب ، وناطحتم الامم ، وكافحتم البهم ، فلا نبرح أو تبرحون ، نأمركم فتأتمرون ، حتّى إذا دارت بنا رحى الإسلام ، ودرّ حلب الأيّام ، وخضعت نعرة الشّرك ، وسكنت فورة الإفك ، وخمدت نيران الكفر ، وهدأت دعوة الهرج ، واستوسق نظام الدّين ، فأنّى جرتم (٣) بعد البيان ، وأسررتم بعد الإعلان ، ونكصتم بعد الإقدام ، وأشركتم بعد الإيمان؟
__________________
(١) بنو قيلة : هم الأوس والخزرج من الأنصار.
(٢) الجنّة : بالضمّ ما يستتر به من السلاح.
(٣) جرتم : أي ملتم.