فانبرت أسماء ، وهيّأت لها الماء فاغتسلت فيه ثمّ قالت لها :
« ايتيني بثيابي الجدد ».
فناولتها ثيابها ، وهتفت بها ثانية :
« اجعلي فراشي في وسط البيت ... ».
وذعرت أسماء ومشت الرعدة بأوصالها ، فقد أحسّت أنّ وديعة النبيّ لا حقة بأبيها ، ووضعت أسماء الفراش لها فاضطجعت عليه ، واستقبلت القبلة ، والتفتت إلى أسماء فقالت لها بصوت خافت :
« يا أمّاه ، إنّي مقبوضة الآن ، وقد تطهّرت ، فلا يكشفني أحد ... » (١).
وأخذت سيّدة النساء تتلو آيات من القرآن الكريم حتى فارقت الحياة ولسانها يلهج بذكر الله تعالى.
لقد سمت روحها العظيمة إلى الله تعالى شاكية إليه ما لاقته من الخطوب والكوارث ، لقد ارتفعت تلك الروح العظيمة إلى جنان الله ورضوانه تحفّها ملائكة الله ، ويستقبلها أنبياء الله. فما أظلّت سماء الدنيا في جميع مراحل الحياة مثل بضعة الرسول في قداستها وإيمانها ، لقد انقطع بموتها آخر من كان في دنيا الوجود من نسل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وقفل الحسنان إلى الدار بلهفة يسألان عن أمّهما فأخبرتهما أسماء بوفاتها ، وهي غارقة في العويل والبكاء ، فكان ذلك كالصاعقة عليهما فهرعا مسرعين إلى جثمانها فوقع عليها الحسن وهو يقول :
« يا أمّاه ، كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني ».
وألقى الحسين نفسه عليها وهو يقول بذوب روحه :
__________________
(١) حياة الإمام الحسن بن عليّ عليهماالسلام ١ : ١٨٢ ـ ١٨٥.