وعاد الإمام إلى داره وقد طافت به الأزمات يتبع بعضها بعضا ، فهو ينظر إلى أطفاله وهم غارقون في البكاء على أمّهم الرءوم التي اختطفتها يد المنون وهي في روعة الشباب ونضارة العمر ..
وينظر إلى إعراض القوم عنه ناسين جهاده في سبيل الإسلام وقربه من الرسول ، وقد أضافت إليه هموما قاسية وأحزانا مريرة.
وعلى أي حال فقد اعتزل الإمام القوم وأعرض عنهم ، وأعرضوا عنه ، وقد صمّموا على إبعاده عن الحياة السياسية وعدم مشاركته بأي شأن من شئون الدولة.
ومن الجدير بالذكر أنّ حكومة أبي بكر لم ترشّح أحدا لمناصب الدولة وله ميول مع الإمام ، فقد روى المؤرّخون أنّ أبا بكر عزل خالد بن سعيد بن العاص عن قيادة الجيش الذي بعثه لفتح الشام ، ولم يكن هناك موجب لعزله إلاّ ميله لعليّ يوم السقيفة ، وقد نبّهه لذلك عمر (١) ، كما أنّ أبا بكر لم يعهد لأي أحد من الهاشميّين بأي منصب من مناصب الدولة ، وقد تحدّث عمر مع ابن عبّاس عن سبب حرمانهم من أنّه يخشى إذا مات وأحد الهاشميّين وال على قطر من الأقطار الإسلامية أن يحدث في شأن الخلافة ما لا يحبّ (٢).
وكان معظم ولاة أبي بكر من الأسرة الأموية ، وكان منهم ما يلي :
١ ـ يزيد بن أبي سفيان ، استعمله واليا على الشام (٣) ، وخرج مودّعا له إلى خارج يثرب ، وبعد وفاته أسندت ولاية الشام إلى أخيه معاوية.
٢ ـ عتاب بن اسيد بن أبي العاص ، استعمله واليا على مكّة (٤).
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١ : ٣٥٢.
(٢) مروج الذهب ٥ : ١٣٥.
(٣) الكامل في التاريخ ٢ : ٢٨٩.
(٤) الاصابة ٢ : ٤٤٤.