ومهما يكن الأمر فإنّ من المقطوع به أنّ أبا لؤلؤة إنّما اندفع لاغتيال عمر بوحي من نفسه ، لا بدافع أموي ، ويعود السبب في ذلك أنّه كان شابا متحمّسا لشعبه ووطنه ، فقد رأى بلاده فتحت عنوة ، وقد انطوى مجد الفرس وذهب عزّهم ، ورأى عمر قد بالغ في احتقار الفرس ، وتمنّى أن يحول بينهم وبينه جبل من حديد ، كما حضر عليهم دخول يثرب إلاّ من كان سنّه دون البلوغ (١) ، وأصدر فتواه بعدم إرثهم إلاّ من ولد في بلاد العرب (٢) ، كما كان يعبّر عنهم بالعلوج ، وهو بالذات قد خفّ إلى عمر شاكيا ضيقه وجهده من جراء ما فرض عليه المغيرة من ثقل الخراج فلم يعن به عمر وصاح به.
وما خراجك بكثير من أجل الحرف التي تحسنها ...
وأوجد ذلك حنقا وحقدا عليه ، فأضمر له في نفسه الشرّ ، وقد اجتاز عليه فسخر منه ، وقال له :
بلغني أنّك تقول : لو شئت أن أصنع رحى تطحن بالريح لفعلت ..
فلذعته هذه السخرية وقال له :
لأصنعنّ لك رحى يتحدّث بها الناس.
وفي اليوم الثاني قام بعملية الاغتيال (٣) ، فطعنه ثلاث طعنات إحداهنّ تحت السرّة فخرقت الصفاق (٤).
ثمّ حمل على أهل المسجد فطعن أحد عشر رجلا ، وعمد إلى نفسه فانتحر ، وحمل عمر إلى داره وجراحاته تنزف دما ، فقال لمن حوله :
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١٢ : ١٨٥.
(٢) الموطأ ٢ : ١٢.
(٣) مروج الذهب ٢ : ٢١٢.
(٤) الصفاق : الجلد الأسفل الذي تحت الجلد.