إلى يثرب ، ولمّا انتهت إليه رسالة عثمان نزح من الكوفة إلى يثرب .. ولمّا مثل أمام عثمان دعا بالشهود ، فأقاموا عليه الشهادة ، ولم يدل الوليد بأيّة حجّة ، وقد خضع بذلك لإقامة الحدّ ، ولم ينبر أحد لإقامة الحدّ عليه خوفا من عثمان ، فقام الإمام عليهالسلام ودنا منه فسبّه الوليد وقال له : يا صاحب مكس (١) ، وقام إليه عقيل فردّ عليه سبّه ، وضرب الإمام به الأرض وعلاه بالسوط ، وعثمان يتميّز غيظا ، فصاح بالإمام :
ليس لك أن تفعل به هذا.
فأجابه الإمام بمنطق الشرع :
« بلى ، وشرّ من هذا إذا فسق ، ومنع حقّ الله أن يؤخذ منه » (٢).
وعلّق العلاّمة العلا يلي على هذه البادرة بقوله :
هذه القصة تضع بين أيدينا شيئا جديرا غير العطاء الذي يرجع إلى مكان العاطفة ، تضع بين أيدينا صورة عن الاغضاء عن مجاوزة السلطة للقانون ، والاغضاء في واقعة دينية ، بحيث يجب على الخليفة أن يكون أوّل من يغار عليها ، وإلاّ هدّد مكانه وافسح المجال للناس للنقد والتجريح ، وبالأخصّ حين جاءت حكومته عقيب حكومة عمر التي عرفت بالشدّة فيما يتعلّق بالحدود الدينية حتى لو كان من أقرب ذوي القربى.
إذن ، فهذه المبالغة في الاغضاء والصفح والمجاوزة لا ترجع إلى مكان العاطفة وحدها ـ إن كانت ـ بل إلى الحزبية حتى تتناحر مجتمعة (٣).
إنّ الوليد بفسقه وفجوره ترك الدعارة واللهو والمجون في الكوفة ، وقد أسّست فيها دور للغناء والطرب ، وانتشر فيها المغنّون ، فكان فيها عبد الله بن هلال
__________________
(١) المكس : النقص والظلم.
(٢) مروج الذهب ٢ : ٢٢٥.
(٣) الإمام الحسين عليهالسلام : ٣٣.