إنّ أموال الخزينة العامّة للمسلمين وليست لمعاوية حتى ينفقها على ملاذه وتدعيم سلطانه ، ولمّا بنى معاوية داره الخضراء أنكر عليه أبو ذرّ وقال له :
يا معاوية ، إن كانت هذه الدار من مال الله فهي الخيانة ، وإن كانت من مالك فهذا الإسراف ..
وأخذ الثائر العظيم يدعو المسلمين إلى الحذر واليقظة من السياسة الأموية التي أمعنت في اقتراف المنكر ، فكان يقول لأهل الشام :
والله! لقد حدثت أعمال ما أعرفها ، والله! ما هي في كتاب الله ولا في سنّة نبيّه ، والله! لأرى حقّا يطفأ ، وباطلا يحيى ، وصادقا يكذّب ، وأثرة بغير تقى ، وصالحا مستأثرا عليه ... (١).
وأخذ الوعي ينتشر بين أهل الشام ، فقد أوجدت دعوته هدى في النفوس ، واستطابتها العامّة .. لقد كانت دعوته إلى إنصاف المحرومين ، وتحريض الفقراء على استرجاع حقوقهم من الطغمة الحاكمة .. وخاف الطاغية معاوية أن تندلع عليه نار الثورة فنهى الناس عن مخالطته والاجتماع به ، وقال بعنف لأبي ذرّ :
يا عدو الله! تؤلّب الناس علينا ، وتصنع ما تصنع!! فلو كنت قاتلا رجلا من أصحاب محمّد من غير إذن أمير المؤمنين ـ يعني عثمان ـ لقتلتك ..
فردّ عليه البطل العظيم غير حافل بسلطانه قائلا :
ما أنا بعدوّ الله ولا رسوله ، بل أنت وأبوك عدوّان لله ورسوله أظهرتما الإسلام وأبطنتما الكفر ..
لقد صدق أبو ذرّ بمقالته ، فإنّ معاوية وأباه أبو سفيان لم يؤمنا بالله طرفة عين ،
__________________
(١) أنساب الأشراف ٥ : ٥٢.