( ٢ )
من بحوث هذا الكتاب أنّه عرض بصورة أمينة لأقسى كارثة مني بها العالم الإسلامي على امتداد التاريخ ، وهي انتقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى حضيرة القدس ، فقد انطوت ألوية العدل ، ومادت أركان الحقّ ، وارتفع ذلك اللطف الإلهي الذي غيّر مجرى التاريخ إلى واقع مشرق تتلاشى فيه آهات المظلومين والمعذّبين ، ولا يكون فيه ظلّ للحاجة والحرمان.
فقد أخلدت للمسلمين الخطوب والكوارث وألقتهم في شرّ عظيم ، وقد أعلن القرآن الكريم هول تلك الأحداث ومدى خطورتها بقوله تعالى : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) ، وأي مصيبة أعظم من الانقلاب ، وأي مأساة أقسى من المروق من الدين.
وكان من أفجع ألوان الخطوب السود بعد وفاة المنقذ العظيم هي إبعاد العترة الطاهرة عن الشؤون السياسية في البلاد ، وجعلها في معزل عن واقع الحياة الاجتماعية ، في حين انّ الامّة لم تكن بأي حال في غنى عن ثرواتها الفكرية والعلمية المستمدّة من الرسول الأعظم.
كما أنّ الهزّات العنيفة التي منيت بها الامّة ، إنّما جاءت نتيجة حتمية لفصل الخلافة عن أهل البيت عليهمالسلام ، فقد انتشرت الأطماع السياسية بشكل سافر عند كثير من الصحابة ، ممّا أدّى إلى تشكيلهم للأحزاب النفعية التي لم تكن تنشد في مخطّطاتها السياسية سوى الوصول إلى الحكم والتنعّم بخيرات البلاد.
ومن المآسي ما عانته الاسرة النبوية من صنوف القتل والتنكيل ، فقد طافت بها المحن والأزمات يتبع بعضها بعضا ، لم يراع فيها حرمة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم التي هي أولى وأحقّ بالرعاية والتكريم من كلّ شيء.