عليه جبرئيل وهو يحمل رسالة من الله تعالى بالغة الخطورة تتعلّق بمصير الامّة الإسلامية ومستقبلها الحضاري ، فقد أمره الله تعالى أن يحطّ رحله في ذلك المكان لينصّب الإمام عليّا عليهالسلام خليفة من بعده ويقلّده المرجعية العامّة ، ولم يرخّصه في التأخير قيد لحظة واحدة ، وكان أمر السماء بهذه الآية : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ... ) (١).
ونصّ الرواة على أنّها نزلت في غدير خمّ (٢) ، وطابع هذه الآية الإنذار الشديد ، فالنبيّ إن لم يبلّغ ما أنزل إليه من ربّه في تقليد الإمام لمنصب الخلافة فقد ضاعت جهوده وتبدّدت أتعابه.
وتلقّى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم الأمر بأهمّية بالغة ، فانبرى بعزم ثابت وإرادة صلبة لتنفيذ أمر الله تعالى ، فوضع أعباء المسير ، وحطّ رحله في رمضاء الهجير وأمر قوافل الحجّ أن تحطّ رحالها ، وكان الوقت قاسيا في حرارته ، فكان الرجل يضع طرف ردائه تحت قدميه ليتّقي به من الحرّ.
واجتمع الحجّاج فصلّى بهم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعد ما فرغ من الصلاة أمر بوضع حدائج الإبل لتكون منبرا له ، فصنعوا له ذلك ، فاعتلى عليها ، وكان عدد الحاضرين مائة ألف أو يزيدون ، وأقبلت الجماهير بقلوبها نحو النبيّ ، فخطب فيهم معلنا ما عاناه من الجهود الشاقّة في سبيل الإسلام ، وما كانوا فيه من الضلال والحياة البائسة فأنقذهم منها ، ثمّ ذكر كوكبة من أحكام الإسلام وتعاليمه ، ثمّ التفت إليهم قائلا :
« انظروا كيف تخلفوني في الثّقلين؟ ».
__________________
(١) المائدة : ٦٧.
(٢) أسباب النزول ـ الواحدي : ١٥٠. تفسير الرازي ٣ : ٦٣٦. مجمع البيان ـ الطبرسي ٤ : ٣٤٤ ، وغيرها.