وعهد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بإمارة الجيش إلى اسامة بن زيد ، وكان في شرخ الشباب ، ولم يعهد بها إلى شيوخ أصحابه ، وكان في ذلك إشعار منه بأنّ القيادة العامّة لا تخضع لكبر السنّ والتقدّم في العمر ، وإنّما تخضع للمؤهّلات والقابليات التي يتمتّع بها القائد.
وقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لاسامة : « سر إلى موضع قتل أبيك فأوطئهم الخيل ، فقد ولّيتك هذا الجيش فاغز صباحا على أهل أبنى (١) وحرّق عليهم ، وأسرع السّير لتسبق الأخبار ، فإن أظهرك الله عليهم فأقلل اللّبث فيهم ، وخذ معك الأدلاّء ، وقدّم العيون والطّلائع معك ... ».
وحفلت هذه الوصية بالمناهج العسكرية الرائعة التي دلّت على أصالة التعاليم العسكرية في الإسلام.
وفي اليوم التاسع والعشرين من صفر رأى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم جيشه قد مني بالتمرّد ، فلم يلتحق أعلام الصحابة بوحداتهم العسكرية ، فساءه ذلك وخرج مع ما به من المرض فحثّهم على المسير ، وعقد بنفسه اللواء لاسامة وقال له :
« اغز بسم الله ، وفي سبيل الله ، وقاتل من كفر بالله » ، وخرج اسامة معقودا لواؤه ، فدفعه إلى بريدة وعسكر بالجرف (٢) ، وتثاقل الصحابة من الالتحاق بالمعسكر ، وأظهروا العصيان والطعن بقيادة اسامة ، يقول له عمر :
مات رسول الله ، وأنت عليّ أمير؟
ونقلت هذه الكلمات إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وكانت قد ازدادت به الحمى فغضب ، وخرج وهو معصب الرأس قد دثّر بقطيفته ، فصعد المنبر وهو متبرّم ، فأعلن سخطه
__________________
(١) أبنى : ناحية بالبلقاء من أرض سوريا ، تقع بين عسقلان والرملة بالقرب من مؤتة التي استشهد فيها الشهيد الخالد جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة.
(٢) الجرف : موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو جهة الشام ، كانت به أموال لعمر بن الخطّاب ولأهل المدينة ، وفيه بعض الآبار ، جاء ذلك في معجم البلدان ٢ : ١٢٨.