وسألتها عمّا أسرّ إليها أبوها ، فأشاحت بوجهها عنها وأبت أن تخبرها ، ولمّا انصرفت أخبرت سلام الله عليها بعض السيّدات عن ذلك
فقالت :
« أخبرني أنّ جبرئيل كان يعارضني بالقرآن في كلّ سنة مرّة ، وإنّه عارضني به في هذا العام مرّتين ، ولا أراه إلاّ قد حضر أجلي ».
وكان هذا هو السبب في لوعتها وبكائها ، وأمّا سبب سرورها وابتهاجها
فتقول :
« أخبرني أنّك أوّل أهل بيتي لحوقا بي ، ونعم السّلف أنا لك ، ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء هذه الامّة » (١)؟
وغرقت سيّدة النساء في البكاء ، فأخذ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يخفّف عنها آلامها قائلا :
« يا بنيّة ، لا تبكي ، وإذا متّ فقولي : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فإنّ فيها من كلّ ميّت معوضة ».
وذابت نفسها شعاعا ، وغامت عيناها بالدموع ، فقالت له بصوت متقطّع بالبكاء :
« ومنك يا رسول الله؟ ».
« نعم ، ومنّي » (٢).
واشتدّ الوجع برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فنظرت إليه سيّدة النساء فقالت له :
« أنت والله! كما قال القائل :
و أبيض يستسقى
الغمام بوجهه |
|
ثمال اليتامى
عصمة للأرامل » |
فقال لها أبوها :
« هذا قول عمّك أبي طالب » ، وقرأ قوله تعالى : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ
__________________
(١) حياة الإمام الحسين بن عليّ عليهماالسلام ١ : ٢٥١.
(٢) أنساب الأشراف ١ : ١٣٣.