« يا أحمد ، إنّ الله اشتاق إليك » ، واختار النبيّ جوار ربّه ، فإنّ الآخرة خير له وأبقى ، وأذن لملك الموت باستلام روحه المقدّسة ، ودعا وصيّه وباب مدينة علمه الامام عليهالسلام فقال له :
« ضع رأسي في حجرك ، فقد جاء أمر الله ، فإذا فاضت نفسي فتناولها ، وامسح بها وجهك ، ثمّ وجّهني إلى القبلة ، وتولّ أمري ، وصلّ عليّ أوّل النّاس ، ولا تفارقني حتّى تواريني في رمسي واستعن بالله عزّ وجلّ ».
وأخذ الإمام رأس النبيّ فوضعه في حجره ، ومدّ يده اليمنى تحت حنكه ، وأخذ النبي يعاني آلام الموت وقسوته حتى فاضت روحه العظيمة ، فمسح بها الإمام وجهه (١). لقد مادت الأرض ، وخبا نور العدل ، وانطفأت تلك الشعلة المشرقة التي أضاءت سماء الدنيا بالعلم والإيمان ... يا لمدينة الرسول وآل الرسول ، يا لهم من يوم خالد في دنيا الأحزان ، يوم ليس كمثله في الأيام الحالكات ، ووجم المسلمون ، وطاشت أحلامهم ، وهرعت السيّدات صوب دار الرسول وهن يلد من الوجوه ، قد علت أصواتهنّ بالبكاء ، أمّا امّهات المؤمنين فقد وضعن الجلابيب عن رءوسهنّ ، وهن يلد من صدورهنّ ، وأمّا نساء الأنصار فقد ذبحت حلوقهنّ من الصياح (٢).
وكان أعظم أهل البيت حزنا بضعة الرسول وريحانته ، فقد وقعت على الجثمان المقدّس وهي تبكي أمرّ البكاء وتقول بذوب روحها :
« وأبتاه »!
__________________
(١) مناقب آل أبي طالب ١ : ٢٩ ، وتواترت الأخبار أنّ النبيّ توفّي ورأسه في حجر عليّ ، جاء ذلك في : الطبقات الكبرى ٢ : ٥١. مجمع الزوائد ١ : ٢٩٣. كنز العمّال ٤ : ٥٥.
ذخائر العقبى : ٩٤. الرياض النضرة ٢ : ٢١٩.
(٢) أنساب الأشراف ١ : ٥٧٤.