قصد يستشير؟ فيقال : أمّا ما يستشار فيه فهو الأمور الممكنات المتعلقة باختيار الفاعل ، وأما القصد بالاستشارة فتارة لاستضاءة المستشير برأي المستشار ، أو لئلا يلام إذا استبدّ بالأمر ، فيتفق وقوعه بخلاف المراد ، ولهذا قيل : الاستشارة حصن من الندامة ، وأمن من الملامة ، وتارة طلبا لهداية المستشار ، إمّا لأن يتبين له خطأ رأيه إن كان له رأي خطأ في ذلك الأمر ، وإمّا أن لا يعتقد هو أو غيره أن الاستبداد فضيلة فيستبد برأيه فيما ربما يؤدّي إلى / فساد : إما لإكرامه أو (١) تعظيمه ، فإذا تقرر هذا فأمور النبي صلىاللهعليهوسلم لا تنفكّ : إما أن تكون شيئا دينيّا أو دنيويّا ، فإن كان دينيّا فمعلوم أن النبي صلىاللهعليهوسلم غير محتاج إلى الاستضاءة برأي غيره من البشر ، لما أمدّه الله تعالى به من النور الإلهي ، وما كان يستشيرهم في أصول الشريعة ، لكن ربما كان يستشيرهم في شيء من فروعها ، التي هي من مسائل الاجتهاد (٢) لنا ، نحو ما روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم استشار
__________________
(١) في الأصل (و) ، والسياق يقتضي ما أثبته.
(٢) قال الجصّاص : «ولا بد أن تكون مشاورة النبي صلىاللهعليهوسلم أياهم فيما لا نصّ فيه ، إذ غير جائز أن يشاورهم في المنصوصات ، ولا يقول لهم : في الظهر والعصر والزكاة ، وصيام رمضان ، ولمّا لم يخصّ الله تعالى أمر الدين من أمور الدنيا في أمره صلىاللهعليهوسلم بالمشاورة ، وجب أن يكون ذلك فيهما جميعا ...» أحكام القرآن (٢ / ٤١).