ينفع مال ولا بنون. فقالوا : معناه : إن حصل لكم النصرة فلا تعتدّوا ما يعرض من العوارض الدنيوية في بعض الأحوال غلبة ، وإن خذلكم في ذلك فلا تعتدّوا ما يحصل لكم من القهر في الدنيا نصرة ، فالنصرة والخذلان معتبران بالمآل (١). ومنهم من اعتبر ذلك في أمر الدنيا ، فقال : معناه : إن نصركم الله في الدنيا بموافقتكم النبي صلىاللهعليهوسلم فلا غالب لكم ، وإن لم ينصركم فلا ناصر (٢) لكم (٣). وحمله على الأول يدخل فيه الثاني ، فإن من نصر في آخرته فهو في الدنيا منصور ، وإن لم يدرك نصرته إلا بالبصيرة دون البصر ، وحمله على الثاني قد ينفك من نصرة الآخرة ، وقوله : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(٤) أمرهم بالتوكل عليه ، كما أمر النبي صلىاللهعليهوسلم في الآية الأولى (٥) ، وأن يستجلبوا النصرة منه بذلك.
__________________
(١) ذكر أبو حيان كلام الراغب هذا ، واختصره ، ولم ينسبه إليه. انظر : البحر المحيط (٣ / ٣٠٦).
(٢) تصحّفت في الأصل إلى (فالناصر). والصواب ما أثبته.
(٣) وهذا اختيار الطبري ، وهو ما حكاه عن ابن إسحاق ، وظاهر كلام المفسرين يدل على هذا القول ، لأنهم ربطوا ذلك بما حصل يوم بدر وأحد. انظر : جامع البيان (٧ / ٣٤٧ ، ٣٤٨) ، والوسيط (١ / ٥١٣) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٢٥) ، والكشاف (١ / ٤٣٢ ، ٤٣٣) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٥٤) ، والبحر المحيط (٣ / ١٠٥) ، وأنوار التنزيل (١ / ١٨٧) ، وروح المعاني (٤ / ١٠٨).
(٤) سورة آل عمران ، الآية : ١٦٠.
(٥) يشير إلى قوله تعالى في الآية السابقة : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) [آل عمران : ١٥٩].