الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)(١) ، فمنهم من قال : الآية على التقديم والتأخير ، وتقديرها : لا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم ليزدادوا إثما ، بل إملاؤنا خير لهم ، ويكون مفعول (وَلا يَحْسَبَنَ) هو (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً ،) وعلق أن ، وجعل (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ) كالعلّة لتأخيرهم ، تنبيها أن ذلك أولاهم ليصير معونة لاكتسابهم الخير لأنفسهم ، وهذا فاسد ، لأن إنما يصح أن يعلق حيث ما يدخل لام الابتداء في خبره (٢) ، ومنهم من قال :
__________________
) ـ (مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) وهذا الأمر القدري الكوني غير الأمر الشرعي ، فإن الله لا يأمر بالفسق شرعا ، ولا يحب الفاسقين. انظر : معارج القبول (١ / ١٦٢) والقضاء والقدر للدكتور عبد الرحمن المحمود ص (٢٩١ ـ ٢٩٨).
(١) سورة الذاريات ، الآية : ٥٦. وليس هناك تناف بين مدلول الآيتين ، لأنه تعالى أرادهم للعبادة شرعا لا كونا ، ولذلك قال : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) [التغابن : ٢] ، فالإرادة الشرعية يستطيع العبد أن يخالفها ، أما الإرادة الكونية القدرية فلا يستطيع دفعها عن نفسه بأي وجه كان.
(٢) التعليق : هو تعدي الفعل إلى مفعوله معنى لا لفظا ، وذلك إذا كان المعمول ذا استفهام أو مضافا إليه أو مسبوقا بلام ابتداء أو قسم أو منفيّا بلا أو ما.
انظر : المساعد (١ / ٣٦٨) ، وذكر النيسابوري أن هذا الوجه من تأويلات المعتزلة ، بناء على قراءة شاذة ليحيي بن وثّاب بكسر (إن) الأولى وفتح الثانية ، ثم قال : «وردّ بأن التقديم والتأخير خلاف الأصل ، والقراءة الشاذة لا اعتداد بها مع أن الواحديّ أنكرها». تفسير غرائب القرآن (٢ / ٣١٦)