كأنه رئي الموت في بعض الناس هلاكا له ، وفي بعضهم فوزا له ، إما لكونه متبلغا بذلك إلى فوز الآخرة ونعيم الأبد ، وإما لخلاصهم من شدّة يرى الموت في جنبها فوزا (١) ، وكذا المنيّة أراها والأمنيّة من أصل واحد بنحو هذين النظرين (٢) ، وتخصيص الذوق ها هنا من حيث إنه ذكر الباخلين بالمال ، وهو قوله : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ ...)(٣) الآية ، وأعظم البخل بالمال يكون خشية من فقدان الطعام الذي به قوام الأبدان ، ولهذا ذكر
__________________
ـ والفوز ، وقال آخرون : هو من فوّز إذا هلك ، وفوّز الرجل إذا ركب المفازة ...» مجمل اللغة ص (٥٥٦). وانظر : الأضداد لابن الأنباري ص (١٠٤) ، وتهذيب اللغة (١٣ / ٢٦٤) ، والمفردات ص (٦٤٧) ، والنهاية (٣ / ٤٧٨).
(١) قال الراغب : «فإن يكن (فوّز) بمعنى (هلك صحيحا ، فذلك راجع إلى الفوز تصوّرا لمن مات بأنه نجا من حبالة الدنيا ، فالموت ـ وإن كان من وجه هلكا ـ فمن وجه فوز ... هذا إذا اعتبر بحال الدنيا ، فأما إذا اعتبر بحال الآخرة فيما يصل إليه من النعيم فهو الفوز الكبير ...» المفردات ص (٦٤٧).
(٢) وأصل المادة (منى) و (المنى) التقدير ، يقال : منى لك الماني : أي قدّر لك المقدّر. والتمني : التكذّب تفعّل من منى يمني إذا قدّر ، لأن الكاذب يقدّر الحديث في نفسه ثم يقوله. والمنية : هو الأجل المقدّر للحيوان. انظر : مجمل اللغة ص (٦٥٢ ، ٦٥٣) ، ومعجم مقاييس اللغة ص (٩٦٦) ، والمفردات ص (٧٧٩ ، ٧٨٠) ، والنهاية (٤ / ٣٦٧).
(٣) سورة آل عمران ، الآية : ١٨٠.