و «من» للتبيين ، أو لاستغراق الجنس لتقدّم النفي (١). إن قيل : ما معنى قوله : (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) في هذا الموضع؟ قيل : تنبيها أن الأنوثية والذكورية لا تقتضي اختلاف الحكم في هذا الباب ، وإنما الاعتبار بالأعمال والنيات ، فمن قصد فيما يتحراه وجه الله فله بقدره ثواب ، ثم بيّن أنّ للذين هاجروا فضل رتبة ، كما قال : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً* دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً)(٢) ولم يعن بالمهاجرة والإخراج من الديار ما كان من الكفّار فقط ، بل عناه ومن هاجر الأفعال القبيحة
__________________
ـ النساء» رقم (٣٠٢٣) ، والحميدي في مسنده (١ / ٤٤) رقم (٣٠١) ، وعبد الرزاق في تفسيره (١ / ١٤٤) ، وأبو يعلى (١٢ / ٣٩١ ، ٣٩٢) رقم (٦٩٥٨) ، والطبراني في الكبير (٢٣ / ٢٩٤) رقم (٦٥١) ، والحاكم في المستدرك (٢ / ٣٠٠) وقال : صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وانظر : الدر المنثور للسيوطي (٢ / ١٩٧).
(١) قال الزجاج في معاني (من): «وتكون ... دالّة على أن ما بعدها واحد في معنى جنس كقولك : ما جاءني من رجل. فقد نفيت قليل الجنس وكثيره ، والواحد وما فوقه ... وتكون دالة على ضرب من النعت». انظر : حروف المعاني ص (٥٠) ، ومعاني الحروف للرماني ص (٩٧) ، ومغني اللبيب ص (٤٢٠) ، والبحر المحيط (٣ / ١٥١) ، والدر المصون (٣ / ٥٣٩) ، والفتوحات الإلهية (١ / ٣٤٨).
(٢) سورة النساء ، الآيتان : ٩٥ ، ٩٦.