والوجه الثالث : أن تقديره : اتقوا الله وقوا الأرحام. فأحدهما متقى ، والآخر موقّى (١) ، نحو قولهم : أعور عينك والحجر (٢). أي : ق عينك ، واتق الحجر (٣).
إن قيل : ما وجه إعادة التقوى وعطف أحدهما على الآخر؟ قيل : إنه أمر في الأول بالتقوى أمرا عاما ، ولهذا قال : «ربكم» تنبيها على أفضاله ، وإحالتهم على ما لا يمكن لأحد إنكاره ، ولما قصد الحثّ على المحافظة على الرّحم قدّم ذكر الموجد باللفظ الذي فيه التنبيه على القدرة التامة (٤). إن قيل : ما وجه ذكر (تَسائَلُونَ
__________________
ـ (٢ / ٥٦٩).
(١) وهذا على نصب الأرحام بالإغراء أي : والأرحام فاحفظوها وصلوها ، كقولك : الأسد الأسد. انظر : الوسيط (٢ / ٥) ، والتفسير الكبير (٩ / ١٣٤) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٤١) ، وإرشاد العقل السليم (٢ / ١٣٩) ، وروح المعاني (٤ / ١٨٤).
(٢) هذا مثل يضرب للمتمادي في المكروه المشفي منه على الهلكة. انظر : جمهرة الأمثال للعسكري (١ / ٨٧ ـ ٨٨) ، ومجمع الأمثال للميداني (٢ / ٦) ، ومجمع الأمثال العربيّة (٣ / ٢٣٩).
(٣) وقد ذكر مكّي بن أبي طالب وجها آخر ، وهو أن (الأرحام) معطوف «على موضع (به) كما تقول : مررت بزيد وعمرا». انظر : مشكل إعراب القرآن (١ / ١٨٧).
(٤) قال ابن عطية : وفي تكرار الأمر بالاتقاء تأكيد ، وتنبيه لنفوس المأمورين. المحرر الوجيز (٤ / ٧) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٢) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٤٢) ، والبحر المحيط (٣ / ١٦٤).