فقد ثبت أن لا تستطيعوا ، فإذا فانحكوا واحدة ، وهذا القائل خفي عليه الفرق بين العدلين ، فإن العدل في تلك الآية ترك ميل القلب ، وذلك مرفوع عن الإنسان ، لقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)(١) ، وقوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً)(٢) عنى به العدل الذي هو حق القسم والنفقة (٣) ، ولهذا قال : (فَإِنْ خِفْتُمْ) فإن الخوف يقال فيما فيه رجاء ما ، / ولهذا لا يقال : خفت أن لا أقدر على بلوغ السماء أو نسف الجبل (٤).
وهذه الأقوال المتقدّمة يبطلها ما روي أنه لمّا نزلت هذه الآية كانت تحت قيس بن الحارث (٥) ثمان نسوة ، فقال له صلىاللهعليهوسلم : «خل سبيل أربع» (٦) ، ...
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٨٦.
(٢) سورة النساء ، الآية : ٣.
(٣) قال أبو حيان : «والعدل المنفي استطاعته غير هذا العدل المنفي هنا ، ذاك عدل في ميل القلب ، وقد رفع الحرج فيه عن الإنسان ، وهذا عدل في القسم والنفقة ، ولذلك نفيت هناك استطاعته ، وعلّق هنا على خوف انتفائه ، لأن الخوف فيه رجاء وظن غالبا» ، البحر المحيط (٣ / ١٧٢). انظر : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ٥٥) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٢٠).
(٤) نقل أبو حيان هذا الكلام في البحر المحيط (٣ / ١٧٠) ونسبه للراغب.
(٥) قيس بن الحارث بن جدار الأسدي ، وقيل : الحارث بن قيس صحابي له حديث. انظر : الإصابة (٥ / ٣٤٩) ، والتقريب ص (٤٥٦).
(٦) رواه أبو داود ، كتاب الطلاق ، باب «فيمن أسلم وعنده نساء أكثر من