على طلب الجنة المعدة للمتقين ، [ثم](١) بيّن حالهم وأفعالهم ، فذكر ما دلّ على جماع مكارم الأخلاق ، وهو السخاء في حالي السّرّاء والضراء والحلم والعفو ، وذلك أشرف ضربي الشرع ، وذاك أن الشرع ضربان : أحكام ومكارم ، ولن يستكمل الإنسان مكارمه إلا بعد أن يستكمل أحكامه ، فإن تحرّي أحكام الشرع من باب العدل ، وتحرّي العدالة فرض ، ومكارمه من باب الإحسان ، أي التفضل ، وتحرّي التفضل نفل ، ولا تقبل نافلة من أهمل الفرض (٢) ، ولا يفضل من ترك العدل ، بل لا يصح تعاطي التفضل إلا بعد العدل ، فإن العدل فعل ما يجب (٣) ، والفضل الزيادة على ما يجب (٤) ، وكيف تصح الزيادة على الشيء الذي هو غير حاصل في ذاته ، وبيّن تعالى أن من تخصص بمكارم الشرع فهو محسن ، والله يحب المحسنين ، وإحسان العبد ومحبته الله إياه هو أن يرى متخصصا بعامة أو صاف الله على غاية وسع
__________________
(١) ليست في الأصل ، والسياق يقتضيها.
(٢) قال ابن هبيرة : «إنما سميت نافلة ، لأنها تأتي زائدة على الفريضة ، فما لم تؤدّ الفريضة لا تحصل النافلة». فتح الباري (١١ / ٣٥١).
(٣) جاء في لسان العرب : العدل ما قام في النفوس أنه مستقيم ، وهو ضد الجور ... والعدل : الحكم بالحق ، يقال : هو يقضي بالحق ويعدل ...» لسان العرب (١١ / ٤٣٠ ، ٤٣١) ، وانظر : الكليات ص (٦٣٩).
(٤) قال العسكري : «والفضل ما لا يكون واجبا على أحد ، وإنما هو ما يتفضّل به من غير سبب يوجبه». الفروق ص (٢١٣).