لما أمر الناس بتقواه وتقوى ناره أولا ، وأمرهم بالمسارعة إلى المنزلتين أولا : إلى طلب المغفرة التي يستحقها المتقي من النار ، ثم إلى الجنة العريضة التي يستحقها المتقي من الله ، ذكر بقوله : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ)(١) حال المتقين لله ، المستحقين لتلك الجنة ، وقال : هم الذين تجاوزوا تعاطي أحكام الشرع إلى تعاطي مكارمه (٢) ، والذين اقتدوا بالله على غاية جهدهم في اكتساب صفاته (٣) ، ثم ذكر حال المستغفرين لوقوع فاحشة منهم أو ظلم ، وبين أن لهم جنات أدون من تلك الجنة ، فقال : الذين إذا أخلوا بشيء من الواجبات ذكروا الله فأقلعوا ، كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٣٤.
(٢) الذي يظهر أنه يريد بأحكام الشرع واجباته ، وبالمكارم فضائله ومستحباته. وإخراج المستحبات عن الأحكام اصطلاح غير مألوف ، والمعروف أن أحكام الشرع تشمل الواجبات والمستحبات وضدّهما ، كما هو معروف عند الأصوليين في الأحكام التكليفية.
(٣) لم يرد في الشرع الأمر بالاقتداء بالله تعالى في صفاته ، ولا يعرف مثل هذا في كلام السلف ، وإنما هو من كلام الفلاسفة ، ولهذا قال بعضهم : الفلسفة هي التشبه بالخالق على قدر الطاقة. ويروون في ذلك حديثا لا أصل له : «تخلقوا بأخلاق الله». لكن ورد الشرع بمحبة الله تعالى لبعض الصفات من نفسه ومن عباده : كالعفو والجود. انظر : شرح الطحاوية (١ / ٨٨).