(أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ)(١) أو باعتباره بنفسه دون ما يقويه من فيض الله ومعونته ، أو اعتبارا بكثرة حاجاته ، وافتقار بعضهم إلى بعض ، أو اعتبارا بمبدئه ومنتهاه ، كما قال تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً)(٢) فأما إذا اعتبر بعقله ، وما أعطاه الله من القوة التي يتمكّن بها من خلافة الله في أرضه ، ويتبلّغ بها في الآخرة إلى جواره تعالى ـ فهو أقوى ما في هذا العالم ، ولهذا قال تعالى : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً)(٣).
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ)(٤) الآية. روي أنه لما نزلت هذه الآية امتنع بعضهم من أن يأكل عند غيره ، حتى نزل قوله : (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ
__________________
ـ في البحر المحيط (٣ / ٢٣٧).
(١) سورة النازعات ، الآية : ٢٧.
(٢) سورة الروم ، الآية : ٥٤.
(٣) سورة الإسراء ، الآية : ٧٠. وقد نقل أبو حيان كلام الراغب هذا كاملا في البحر المحيط (٣ / ٢٣٧) ونسبه إليه. وعبارة (خلافة الله في الأرض) التي أطلقها الراغب فيها نظر والأسلم اجتنابها.
(٤) سورة النساء ، الآية : ٢٩ ، ونصّها : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً).