الإنسان بأن لا يهن ولا يحزن ، وليس ذلك باختياره ، بل هو شيء يعرض له بالاضطرار؟ قيل : النهي في الحقيقة متوجه إلى تعاطي فعل ما يورث ذلك ، وإن كان في اللفظ متناولا للحزن والوهن ، وذلك أن الحزن يعرض بأن لا يستشعر الإنسان ما عليه جبلت الدنيا ، ولا يعرف أن أموالنا وأبداننا عارية مستردّة (١) ، ولا يحتمل صغار المكاره ، فيتوصّل بها إلى احتمال ما هو أعظم منها ، وعلى هذا قوله : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ)(٢) ، وقوله : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ)(٣)؟ قيل : عنى في الاستقبال إشارة إلى نحو قوله : (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(٤) ، فيكون هذا وعدا لهم (٥) ،
__________________
ـ الفيروز آبادي : الحزن : الهم. القاموس ص (١٥٣٥) ، وانظر في تعريف الحزن : العين (٣ / ١٦٠) ، والجمهرة (٢ / ١٥٠) ، والمحكم (٣ / ١٦٥).
(١) العارية المستردّة : كلّ ما تعطيه غيرك على أن يردّه إليك. قال ابن منظور : «وأعراه النخلة : وهب له ثمرة عامها ، والعريّة : النخلة المعراة». اللسان (١٥ / ٤٩) وانظر : المعجم الوسيط ص (٦٣٦).
(٢) سورة الحديد ، الآية : ٢٣.
(٣) سورة آل عمران ، الآية : ١٣٩.
(٤) سورة الأعراف ، الآية : ١٢٨.
(٥) قال أبو حيان : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) أي الغالبون وأصحاب العاقبة ، وهو إخبار بعلو كلمة الإسلام. قاله الجمهور وهو الظاهر. البحر المحيط (٣ / ٦٧). وانظر : جامع البيان (٧ / ٢٣٤) ، وتفسير القرآن للسمعاني ـ