والثاني : ما قاله الحسن : إن الآخرة مواقف ، وفي بعضها يظهرون ، وروي عنه أن في بعضها لا يتكلّمون (١). والثالث : أنهم لا يكتمون الله حديثا ، لنطق جوارحهم بذنوبهم ، فعلى هذا لا يكون قوله : (وَلا يَكْتُمُونَ) داخلا في التمنّي ، بل هو استئناف كلام (٢). والرابع : أنه لم يقصد بقوله : (وَلا يَكْتُمُونَ) أنهم لا يقصدون كتمانه ، بل عنى أنه لا يتكتم ، وذلك كقولك لمن كتم عنك شيئا فاطلعت عليه : لم تكتم أسرارك عني (٣). والخامس : أن ذلك داخل في التمني ، ولكن إشارة إلى حالهم في الدنيا وجحودهم (٤) ، فإن كفرهم جحود لما ركّز الله تعالى في فطرتهم ، ونقض لما أخذ عليهم من الميثاق المدلول عليه بقوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ
__________________
ـ القرآن (٥ / ١٩٩) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٤١٨) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٦٤).
(١) ذكره السمعاني في تفسير القرآن (١ / ٤٣٠) ، والبغوي في معالم التنزيل (٢ / ٢١٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٢ / ٨٧) وأبو حيان في «البحر المحيط» (٣ / ٢٦٤).
(٢) ذكر هذا القول ابن عطية في المحرر الوجيز (٤ / ١٢٣) ، وذكره عنه أبو حيان في البحر المحيط (٣ / ٢٦٤). وانظر : إرشاد العقل السليم (٢ / ١٧٨).
(٣) قال أبو حيان : والمعنى : «لا يقدرون على كتمان الحديث». البحر المحيط (٣ / ٢٦٤). وانظر : معاني القرآن وإعرابه للزجاج (٢ / ٥٤).
(٤) انظر هذا القول في : البحر المحيط (٣ / ٢٦٤).