نفسه ويفرّغ للعبادة همّه ، قال : وليست الجنابة للحالة المعروفة فقط ، بل هي عبارة عن نجاسة النفس بالذنوب ، وحثّ على تجنّبها وتطهير النفس منها بقوله : (لِيُطَهِّرَكُمْ)(١) فإن قيل : فما وجه تعلق هذه الآية بما قبلها ، والإتيان بحكم التيمّم عقب ما تقدم؟ قيل : لما أمر فيما تقدّم بالعبادة بقوله : (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً)(٢) وأعظم العبادة الصلاة ، ولا تصحّ بغير طهارة بين عقيبها حكم ما يطهّر ، وحكم ما ينوب منا به إذا فقد (٣).
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ)(٤) الآية. رأيت : يعدّى بإلى تنبيها على معنى النظر والاعتبار ، وذلك في رؤية القلب دون الحاسة (٥) ، واشتراء الضلالة بالهدى :
__________________
(١) إشارة إلى قوله تعالى : (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) [المائدة : ٦] ، وهو الذي ذكره الراغب من التفسير الإشاري الذي اشتهر به المتصوفة ، وانظر : نحوا مما ذكر في : لطائف الإشارات (٢ / ٣٠).
(٢) سورة النساء ، الآية : ٣٦.
(٣) ذكر القرطبي نحوا من هذا التوجيه في الجامع لأحكام القرآن (٥ / ٢٠٠ ، ٢٠١).
(٤) سورة النساء ، الآية : ٤٤ ، ونصّها : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ).
(٥) قال الزّجّاج : «المعنى : ألم ينته علمك إلى هؤلاء» معاني القرآن وإعرابه (٢ / ٥٦) ، وقال أبو حيان : «والرؤية هنا علمية ، وضمنت معنى ما يتعدى بإلى ، فلذلك لم يتعدّ إلى مفعولين ، وكأنه قيل : ألم ينته علمك إلى كذا؟