ليس لدينا إلّا القليل من المعرفة عن أولئك الأوائل الذين عمدوا إلى مهمة تخفيف آلام الآخرين الذين عانوا الأمراض والحميّات والجراح ...
بدأ الطب أولا بالاستعانة بالسحر ، ثم أصبح فيما بعد كهنوتيا ، وأخيرا تحول إلى علم بعد مروره بالملاحظة الدقيقة القائمة على التجارب ، وبقي الإنسان عبر آلاف السنين يخاف الأمراض ، وكانت الوسائل الطبيّة التي استخدمها الإنسان على مرّ الزمن تعتمد على تقليد تمتد جذوره بعيدا في الماضي ، خاصّة في المناطق الريفية ، كما استعان الإنسان بالجن وبآلهة عبدها وسمّاها ، حيث أن عقائد الإنسان قديما اعتمدت على وسطاء يقرّبون بين البشر المعذّبين الجهلاء وبين القوى العليا وكان لا بد من وجود وسيط يمتلك المعرفة ويتمتّع بسلطة على عشيرة كانت أم قبيلة ، أو على المجموعة التي يعيش بينها ، ويلعب دور الكاهن عادة أو الطبيب ، وأحيانا دور الاثنين معا ، وعلى هذا الشكل ولد السحرة والعرّافون وصنّاع التمائم.
ومنذ آلاف السنين مارس السحرة جراحة بسيطة بدائية باستخدام وسائل بسيطة وبدائية ، مثل تثبيت كسور بواسطة أغصان الأشجار ، أو سدّ جرح ينزف بواسطة الرماد أو القطن الطبيعي أو دهون الحيوانات أو بواسطة عصارة بعض النباتات ، أو كان يعمد إلى استخراج أجسام غريبة من الجسد كرأس سهم.
الوسيط ـ الطبيب البدائي ـ هو الوحيد القادر على التشفّع لدى الآلهة كي ترحم الإنسان ، وهو العارف بالتعازيم والقرابين وبالرقص التي تشكّل مجموعة الطقوس والصلوات التي تؤدّى عند تقديم الدواء ، أو التعويذة للمريض ، وفيما بعد ، وصفت الأديان السماوية (المسيحية والإسلام) تلك الممارسات بالشيطانية ، وما زال هذا الوسيط موجودا لدى العديد من القبائل الإفريقية الزراعية حتى يومنا هذا ، حيث يتخذون منه صفة الطبيب الذي يقوّم الأعضاء المكسورة ، ويفتح الدمامل المؤلمة وتعترف له القبيلة بمقدرة سحرية.