المستحيل (١) في حقه تعالى ، ولذا (٢) كان النسخ بحسب الحقيقة دفعا لا رفعا.
ويندفع هذا الإشكال (٣) : بأن الاتحاد في القضيتين بحسبهما وإن كان مما لا
______________________________________________________
الحكم عن موضوعه بانتفاء مصلحته ، وهذا هو البداء المستحيل في حقه تعالى ، ولذا كان النسخ في الأحكام الشرعية دفعا لا رفعا ، والمراد بالدفع : أن الحكم من أول الأمر كان محدودا بهذا الحد ، وتأخر بيان أمده لمصلحة ، لا أن الحكم شرع إلى الأبد ثم نسخ في هذا الزمان ، فإنه مستحيل في حقه «سبحانه وتعالى» ؛ لاستلزامه الجهل وعدم إحاطته بجهات الحسن والقبح. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
فليس النسخ رفعا لأمر ثابت بل دفعا أي : إظهارا لعدم تشريع الحكم إلا موقتا ؛ لعدم المقتضى لتشريعه إلى الأبد.
فصار المتحصل : أن منشأ الشك في بقاء الحكم الكلي الفرعي منحصر في اختلاف بعض ما عليه الموضوع من الأوصاف ؛ كما عرفت في الأمثلة المذكورة ، ومعه لا يمكن إحراز وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة. هذا بخلاف غالب الشبهات الموضوعية.
(١) وهو : أن يظهر للحاكم خطأ حكمه السابق فيعدل عنه. وأما البداء بالمعنى الممكن أعني : الإبداء والإظهار فلا مانع منه.
(٢) أي : ولكون البداء ـ بمعنى الظهور والعلم بالشيء ـ مستحيلا في حقه تعالى كان نسخ الحكم الشرعي بمعنى الدفع لا الرفع كما عرفت.
(٣) أي : إشكال عدم اتحاد الموضوع في القضية المتيقنة والمشكوكة في الأحكام الكلية.
وحاصل ما أفاده في دفع الإشكال هو : أن وحدة الموضوع وإن كانت مما لا بد منه في الاستصحاب ؛ إلا إن المدار في الاتحاد المزبور هو النظر العرفي لا العقلي ، ولا ما هو ظاهر الدليل على ما سيأتي تحقيقه في الخاتمة إن شاء الله تعالى ، ومع حكم العرف باتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة ـ وصدق الإبقاء والنقض على إثبات الحكم ونفيه مع اختلاف بعض حالات الموضوع ـ يسهل الأمر في إحراز وحدة القضيتين في استصحاب الأحكام إذا احتل بعض أوصاف الموضوع مما لا يكون بنظر العرف مقوما له ؛ بل من حالاته وعوارضه وإن كان بنظر الدقي العقلي دخيلا في الموضوع كما لا يخفى ، ففي مثال وجوب صلاة الجمعة : لا يكون حضور الإمام «عليهالسلام» مقوما له بنظر العرف ؛ بل من حالاته. وكذا موضوع حكم الشارع بالانفعال وهو ذات الماء الذي طرأ عليه التغير ، فلا مانع من استصحاب الأحكام الكلية.