لما (١) هو سبب التكليف وشرطه ومانعة ورافعه ، حيث إنه (٢) لا يكاد يعقل انتزاع هذه
______________________________________________________
تكن تلك الخصوصية الموجبة للربط الخاص بين السبب والمسبب المقتضي لتأثير السبب فيه لأثر كل شيء في كل شيء ، كتأثير الماء في الإحراق والنار في التبريد ، ومن المعلوم فساده ، بداهة : وجود الربط التكويني الخاص بين أجزاء العلة به تؤثر في المعلوم.
وحيث إن المناط في السببية تلك الخصوصية الذاتية المقتضية للتأثير ، فلا يعقل تحققها بالإنشاء والجعل ، لعدم كونها من سنخ الاعتبارات المتقومة باعتبار من بيده الأمر ، فإنشاؤها لا يؤثر في وجود تلك الخصوصية تكوينا ، فقوله : «الدلوك سبب لوجوب الصلاة» لا يقتضي حدوث السببية له تعبدا ؛ لأن سببية شيء للتكليف لا تختلف عن سببية مثل النار للإحراق ، وشرطية شيء له لا تختلف عن شرطية مثل المجاورة والمحاذاة بين النار والمحترق له ، ومانعية شيء له كمانعية الرطوبة عن الإحراق ، فهي أمور تكوينية ، فكما لا يعقل صيرورة شيء حجرا بمجرد الجعل والتشريع ، فكذا سببية مثل بلوغ المتعاقدين لتأثير العقد في إفادة ملكية الثمن والمثمن للبائع والمشتري لأجل خصوصية فيه يفقدها الصبي المميز الذي يقل سنه عن البلوغ بساعة مثلا.
فالمتحصل : أن السببية لا تنزع عن التكليف المترتب على موضوعه لتأخره عن السببية ، وإلا يلزم تأثير المتأخر في المتقدم.
وعليه : فلا مجال للالتزام لما ذهب إليه الشيخ من انتزاعها من التكليف ، كما لا تكون مجعولة بالاستقلال ، فلا محيص عن الذهاب إلى كون منشأ انتزاع السببية ونحوها من أجزاء العلة هي الخصوصية الذاتية التي تكون ثابتة لها تكوينا بتبع تكوّن نفس السبب والشرط وغيرهما كما لا يخفى :
١ ـ مثال السببية : نظير الدلوك لوجوب الصلاة.
٢ ـ مثال الشرطية : نظير الاستطاعة الشرعية لوجوب الحج.
٣ ـ مثال المانعية : كالعجز المانع عن التكليف بالطهارة المائية.
٤ ـ مثال الرافعية : كالمرض الطارئ على من تمكن من الحج مباشرة مع كون المرض مما لا يرجى زواله ، فإنه رافع لوجوب الحج مباشرة وموجب للاستنابة.
(١) متعلق بالسببية وأخواتها.
(٢) الضمير للشأن ، وهذا شروع في إبطال كون السببية ونحوها منتزعة عن الحكم التكليفي لتكون مجعولة تشريعا تبعا ، كما ذهب إليه بعض ، وقد عرفت توضيحه ، وقد عرفت توضيحه بقولنا : «أما بطلان القول الأول فلأن لازمه تأثير ...».