وأما (١) إذا كان من جهة الشك في كميته ومقداره كما في نبع الماء وجريانه
______________________________________________________
وكيف كان ؛ ففي صورة كون الشك في الحكم ناشئا من الشك في بقاء الزمان يجوز جريان الاستصحاب في نفس الزمان وفي الفعل المقيد به. هذا تمام الكلام في حكم القسم الأول المنقسم إلى قسمين ، حيث يجري الاستصحاب فيهما.
وقد أشار إليه بقوله : «فتارة يكون الشك في حكمه من جهة الشك في بقاء قيده» ، ومقتضى إطلاق كلام المصنف «قدسسره» يشمل كلّا من الشبهة الموضوعية والحكمية ، ضرورة : أن الشك في بقاء القيد يشمل كلتا الشبهتين ، فحكمهما هو جريان الاستصحاب في نفس الزمان وفي الفعل المقيد به كما عرفت.
وأما القسم الثاني : فقد أشار إليه بقوله : «وإن كان من الجهة الأخرى» ، وقد ذكر المصنف فيه صورتين : إحداهما كون الزمان ظرفا لا قيدا مقوما لموضوع الحكم ودخيلا في ملاكه والحكم فيها جريان الاستصحاب في نفس الحكم ، فإذا وجب الجلوس مثلا في يوم الجمعة ولم يؤخذ يوم الجمعة قيدا بل ظرفا وشك في وجوب الجلوس يوم السبت جرى استصحابه ؛ لعدم تعدد الموضوع.
ثانيتهما : كون الزمان قيدا مقوما لموضوع الحكم كتقييد الصوم بشهر رمضان في قوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)(١) ، والأصل الجاري فيه بعد انقضاء الزمان هو استصحاب عدم الحكم ؛ لأن التقييد بالزمان يوجب تعدد الموضوع ، وكون الصوم في غير رمضان مغايرا لصوم شهره ، ومع تعدد الموضوع يكون الشك في حدوث التكليف ، وهو مجرى استصحاب عدم التكليف ؛ إذ المتيقن من انتقاض عدم وجوب الصوم هو الزمان الخاص ـ أعني : شهر رمضان ـ ويشك في انتقاضه في غير ذلك الزمان ، فيستصحب عدم الوجوب ، ولا يجري استصحاب الوجوب ؛ إذ المفروض : تعدد الموضوع ، ومع تعدد الموضوع لا يكون الشك شكا في البقاء حتى يجري فيه استصحاب الوجوب. هذا تمام الكلام في المقام الثالث.
توضيح بعض العبارات طبقا لما في منتهى الدراية.
(١) هذا في قبال قوله : «من جهة الشك في انتهاء حركته» المراد به : بيان الشك في الرافع ؛ بأن يكون الشك في بقاء الأمر التدريجي لأجل الشك في وجود الرافع مع إحراز المقتضي. وقد تقدم توضيحه بقولنا : «تارة : من الشك في وجود الرافع ...» الخ.
وأما قوله : «وأما إذا كان ...» الخ ، فهو إشارة إلى كون الشك في بقاء الأمور
__________________
(١) البقرة : ١٨٥.