.................................................................................................
______________________________________________________
نعم ؛ اليقين والشك من المجتهد يعتبران في جريان الاستصحاب بالنسبة إلى تكليف نفسه ، لا بالنسبة إلى تكليف المقلد ـ إلى أن قال ـ وأما على القول بحجيته في الأحكام الكلية أيضا : فيكون الاستصحاب حينئذ ذا جهتين ، فمن جهة كونه جهة في الأحكام الكلية يكون البحث عنه بحثا عن مسألة أصولية ؛ لإمكان وقوع نتيجة البحث في طريق استنباط الأحكام الشرعية كما هو الملاك في كون المسألة أصولية ، وحينئذ : يعتبر فيه اليقين السابق والشك اللاحق من المجتهد كما في سائر القواعد الأصولية.
فبعد تحقق اليقين السابق والشك اللاحق من المجتهد بالنسبة إلى حكم شرعي كلي كنجاسة الماء المتمم كرّا ، وحرمة وطء الحائض بعد انقطاع الدم قبل الاغتسال يستصحب هذا الحكم الكلي ، ويفتي بنجاسة الماء وحرمة وطء الحائض ، ويجب على المقلد اتباعه من باب رجوع الجاهل إلى العالم.
ومن جهة كونه حجة في الأحكام الجزئية والموضوعات الخارجية يكون البحث عنه بحثا عن مسألة فقهية ، ولا مانع من اجتماع الجهتين فيه ، فإنه يثبت كونه قاعدة أصولية وقاعدة فقهية بدليل واحد وهو قوله «عليهالسلام» : «لا تنقض اليقين بالشك» (١) ، فإن إطلاقه شامل لليقين والشك المتعلقين بالأحكام الكلية واليقين والشك المتعلقين بالأحكام الجزئية أو الموضوعات الخارجية ، فبدليل واحد يثبت كونه قاعدة أصولية وقاعدة فقهية ، ولا مانع منه أصلا.
وأما الأمر الثالث ـ وهذا الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين ـ فحاصله : أن اليقين والشك متضادان ؛ بل باعتبار خصوصية فيهما متناقضان ؛ لأن اليقين يعتبر فيه عدم احتمال الخلاف ، والشك يعتبر فيه احتمال الخلاف ، وبين هاتين الخصوصيتين تناقض. فلا يمكن اجتماع اليقين والشك في شيء واحد.
فلا بد حينئذ من الالتزام بأحد أمرين : إما الالتزام بوحدة زمان الوصفين وتعدد زمان متعلقهما ، فيكون موردا للاستصحاب.
وإما الالتزام بوحدة زمان المتعلقين وتعدد زمان الوصفين ، فيكون موردا لقاعدة اليقين.
وبعبارة أخرى : أن الشك إذا تعلق ببقاء ما تيقن به فهو الاستصحاب ، وإذا تعلق بأصل حدوث ما تيقن به فهو قاعدة اليقين.
__________________
(١) علل الشرائع ٢ : ٣٦١ / ب. ٨ ، جزء من ح ١ ، تهذيب الأحكام ١ : ٤٢١ / جزء من ح ١٣٣٥ ، الوسائل ٣ : ٤٦٦ / جزء من ح ٤١٩٢.