وأمّا أدلة نفي الحرج والضرر أو نفي الاضطرار فقد يستشكل في استفادة الإجزاء منها من جهة أنّ غايتها هو عدم وجوب ما فيه حرج أو ضرر وأمّا الأمر بالباقي فلا يستفاد منها فيكون خارجا عن محطّ البحث إذ ليس هنا أمر اضطراريّ حتّى يبحث عن إجزائه عن الأمر الواقعيّ وعدمه.
قال في منتهى الاصول : وما كان منها بلسان رفع الاضطرار أو عدم جعل الأحكام الحرجيّة والضرريّة فلا يستفاد منها إلّا عدم وجوب ما هو مضطرّ إلى تركه أو فيه ضرر أو حرج بناء على حكومة هذه القواعد على أدلّة الأحكام الواقعيّة الأوليّة حكومة واقعيّة وأمّا أنّه هناك أمر بباقي الأجزاء ما عدا هذا الذي اضطرّ إلى تركه بالنسبة إلى الأجزاء والشرائط أو إلى فعله بالنسبة إلى الموانع أو في فعله حرج أو ضرر أو في تركه كذلك فلا تدلّ تلك الأدلّة عليه فضلا عن دلالتها على الإجزاء فلا بدّ في إثبات الإجزاء من التماس دليل آخر نعم بالنسبة إلى القضاء يمكن أن يقال : بعد وفاء المأمور به بالأمر الاضطراريّ بمرتبة من الملاك والمصلحة لا نعلم بفوت المصلحة اللازمة الاستيفاء مع كونها ممّا يمكن استيفاؤه فما احرز موضوع القضاء الذي هو عبارة عمّا ذكر. (١)
ولكن يمكن الذبّ عنه بأنّ وجوب الباقي مستفاد من الأدلّة الواقعيّة الدالّة على الأجزاء والشرائط لا من حديث الرفع أو نفي الحرج أو نفي الضرر ولذا لم يلتفتوا إلى ما استشكل في جريان البراءة وحديث الرفع في نفي جزئيّة شيء مشكوك أو شرطيّته بأنّ الجزئيّة والشرطيّة وإن ارتفعتا بحديث الرفع ولكن لا دليل آخر على الأمر الآخر بالخالي عنهما وليس وجه ذلك إلّا ما أشرنا إليه من أنّ وجوب الباقي مستفاد من الأدلّة الأوّليّة الدالّة على الأجزاء والشرائط فلا حاجة إلى اثباتها بأدلّة حديث الرفع
__________________
(١) منتهى الاصول ١ / ٢٤٨.