المكلّف من تحصيل الواقع علما ضرورة وقوع التخلّف فيها ومعه يكون ترخيص العمل بها في مقام الامتثال وجعلها طريقا له مع التمكّن من تحصيل الواقع نقضا للغرض وتفويتا للمصلحة الواقعيّة على المكلّف وهذا مناف للطف والحكمة بالضرورة فلا بدّ من أن يكون أمره بالعمل بها مع التمكّن من تحصيل الواقع على أحد الوجهين.
أحدهما : أن يكون ذلك لقيام مصلحة قائمة بنفس العمل بها والسلوك على مقتضاها بحيث لا يكون لمن قامت هي عنده واقع سوى العمل بها وذلك وإن كان في نفسه أمرا ممكنا وعلى تقديره يكون العمل بها مقتضيا للإجزاء جدّا لكونه واقعا أوّلا (أوّليّا) لمن قامت هي عنده إلّا أنّه قد علم بالضرورة عندنا عدم وقوعه فإنّه عين التصويب الباطل عندنا هذا مضافا إلى ظهور أدلّة اعتبارها في أنّ اعتبارها إنّما هو من باب الطريقيّة لا الموضوعيّة.
وثانيهما : أن يكون لأجل مصلحة في العمل بها لا تنافي اعتبارها على وجه الطريقيّة ولا تؤثّر في مصلحة ذي الطريق أصلا ولا في ارتفاع الخطاب عنه بل تكون بحيث تكافؤ مصلحته على تقدير فوته على المكلّف بسبب العمل بتلك الطرق على وجه تجبرها حينئذ بمعنى أنّ كلّ ما فات على المكلّف من مصلحته بسبب العمل بتلك الطرق لا بدّ أن تكون هي جابرة لذلك المقدار الفائت من تلك المصلحة ومتداركة إيّاه فإنّ هذا المقدار من المصلحة في العمل بتلك الطرق مصحّح لتجويز العمل بها مع التمكّن عن إدراك الواقع جدّا ولا يجب أزيد منه قطعا وهذا هو المتعيّن في كيفيّة نصب هذه الطرق لكونه هو الموافق لاعتبارها على وجه الطريقيّة.
وهذا هو المتعيّن في كيفية نصب الأمارات أيضا إذ اعتبارها إنّما هو من باب الطريقيّة لا غير وقس عليهما الحال في الاصول العمليّة الشرعيّة المجعولة من الشارع في مقام الشكّ مطلقا من غير اعتبار عدم التمكّن من تحصيل الواقع كالاستصحاب بناء