وظيفة الشارع كجعلها ، غايته أن وضعها ورفعها إنما يكون بوضع منشأ الانتزاع ورفعه ، وهو التكليف بالأكثر وبسطه على الجزء المشكوك فيه ، فكما أن للشارع الامر بالمركب على وجه يعم الجزء الزائد ، كذلك للشارع رفعه بمثل قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم « رفع ما لايعلمون » ونحو ذلك من الأدلة الشرعية المتقدمة في مبحث البراءة ، وبذلك ينحل العلم الاجمالي ويرتفع الاجمال عن الأقل ، ويثبت إطلاق الامر به وكون وجوبه لا بشرط عن انضمام الزائد إليه.
ولا يتوهم : أن رفع التكليف عن الأكثر لا يثبت به إطلاق الامر بالأقل إلا على القول بالأصل المثبت.
فإنه قد تقدمت الإشارة إلى أن التقابل بين الاطلاق والتقييد ليس من تقابل التضاد لكي يكون إثبات أحد الضدين برفع الآخر من الأصل المثبت ، بل التقابل بينهما تقابل العدم والملكة ، وليس الاطلاق إلا عبارة عن عدم لحاظ القيد ، فحديث الرفع بمدلوله المطابقي يدل على إطلاق الامر بالأقل وعدم قيدية الزائد ، وبذلك يتحقق الامتثال القطعي للتكليف المعلوم بالاجمال ، لما تقدم في المباحث السابقة : من أن الامتثال القطعي الذي يلزم العقل به هو الأعم من الوجداني والتعبدي ، إذ العلم الاجمالي بالتكليف لا يزيد عن العلم التفصيلي به ، ولا إشكال في كفاية الامتثال التعبدي في موارد العلم التفصيلي بالتكليف.
__________________
ثم إن من العجب! تشبث الماتن بهذا التقريبات في أدلة البراءة ، وصار همه إثبات وجوب الأقل ، مع أنه في فسحة من ذلك بعد بنائه على جريان الأصل في أحد أطراف العلم بلا معارض ، إذ حينئذ له إجراء أدلة الترخيص على ترك الأكثر ، وإن لم يثبت به وجوب الأقل ظاهرا ، وإنما يحتاج إلى مثل هذا البيان من قال بعلية العلم الاجمالي للتنجز وانتهاء الامر فيه بعد الاشتغال إلى تحصيل الفراغ الأعم من الجعلي والحقيقي ، إذ مثل هذا المشرب لا محيص له من إثبات هذه الجهة في جريان البراءة ، كي يصير الاتيان بالأقل فراغا جعليا ، وحيث نحن قائلين بالعلية وأن مثل أدلة البراءة في باب الأقل والأكثر غير صالحة لاثبات وجوب الأقل ، لا محيص لنا من عدم التفكيك بين البراءة والاحتياط عقليها ونقليها ، وعليك بالتأمل في أطراف الكلام ترى ما فيها من مواقع النظر.